ابن القدوة في الجامع للوعظ فقال في وعظه: لا إله إلاّ الله ربنّا آمنّا بما أنزلت واتَّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشّاهدين، أيّها الناس، إنّا لا نقول إلاّ ما صحّ عندنا عن ربنا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قول أرسطا طاليس، وكفريّات ابن سينا، وفلسفة الفارابيّ، فلا نعلمها، فلأيّ شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذبّ عن دين الله؟ وبكى، فضجّ النّاس، وبكى الكرّاميّة، واستغاثوا، وثار النّاس من كلّ جانب واستعرت الفتنة، وكادوا يقتتلون ويجري ما يهلك به خلق كثير، فبلغ ذلك السّلطان، فأرسل الأجناد وسكّنهم ووعدهم بإخراج الفخر، وأحضره وأمره بالخروج.
وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغنيّ بينه وبين الأشعرية، وهمّوا بقتله، ثم أخرجوه من دمشق، وتفصيل ذلك في ترجمته إن شاء الله.
وفي أوّلها مات الملك العزيز، وكان سيف الدّين أركش، الأسدي بالصّعيد، فقدم القاهرة فوجد الملك المنصور سلطاناً، وقد استولى فخر الدّين شركس على الأمور، فحلّف أركش الأمراء على أن يسلطنوا الأفضل، وأرسلوا النجب بالكتب إليه وانعزل عنهم شركس، وزين الدّين قراجا، وقراسنقر، ثم لما قرب الأفضل من مصر هربوا إلى القدس، فسار الأفضل من صرخد ودخل مصر، فأخذ ابن العزيز وصار أتابكه، وسارا بالجيوش فحاصرا دمشق وبها العادل قد ساق على البريد من ماردين، وترك عليها الجيش مع ولده الكامل محمد، ودخل دمشق قبل أن يصل الأفضل بيومين، وأحرق جميع ما كان خارج باب الجابية من الفنادق والحوانيت، وأحرق النَّيرب وأبواب الطّواحين، وقطعت الأنهار، واشتد الأمر، وأحرقت بيادر غلّة حرستا، ودخل الأفضل من باب السّلامة، وضجّت العوام بشعاره، وكان محبوبًا إلى النّاس، وبلغ الخبر العادل، فكاد يستسلم فتماسك، ووصل الذين دخلوا إلى باب البريد، وكانوا قليلين، فوثب عليهم أصحاب العادل وأخرجوهم، ثمّ قدم صاحب حلب، وصاحب حمص، وهمّوا بالزَّحف، ثم قويّ العادل بمجيء الأمراء الذين كانوا بالقدس، وضعف الأفضل، ثم وقعت كبسة على عسكره المصريّين، وبقي الحصار إلى سنة ستٍّ وتسعين.
وفيها ظهر بدمشق الدّاعي العجميّ المدّعي أنه عيسى ابن مريم، وأفسد طائفة وأضلهم، فأفتى العلماء بقتله، فصلبه الصّارم بزغش العادليّ.