وغدرهم وفجورهم، فالله الله في نفسك. سر معي إلى الشام ومصر، فهي لك وتأمن على نفسك. فلم يقبل. فقال: أقم ههنا وأمدك بالأموال والرجال. فلم يقبل. فعدل الإخشيد إلى الوزير ابن مقلة وقال: سر معي. فلم يفعل مراعاة للمتقي. فكان ابن مقلة يقول: يا ليتني قبلت نصح الإخشيد. ورجع الإخشيد إلى بلاده.
وفيها قُتل حمدي اللص، وكان فاتكًا. ضمنه ابن شيرزاد اللصوصية ببغداد في الشهر بخمسة وعشرين ألف دينار. فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع، ويأخذ الأموال. وكان أسكورج الديلمي قد ولي شرطة بغداد، فأخذه ووسطه.
وفيها دخل أحمد بن بويه واسطًا، وهرب أصحاب البريدي إلى البصرة.
وفي شوال كان توزون ببغداد على سرير المُلك، فعرض له صرعٌ، فوثب ابن شيرزاد فأرخى بينه وبين القواد سترًا وقال: قد حدثت للأمير حمى.
ولم يحج في هذه السنة أحدٌ لموت القرمطي، وهو أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي، بهجر في رمضان بالجدري. وهو الذي قتل الحجيج واستباحهم مرات، واقتلع الحجر الأسود، وبقي بعده أبو القاسم سعيد. وكان أبوه يحبه ويرجحه للأمر من بعده، وأوصى: إن حدث بي موتٌ، فالأمر إلى ابني سعيد إلى أن يكبر أبو طاهر، فيُعيد سعيد إليه الأمر.
وكان أبو سعيد قد عتى وتمرد، وأخاف العباد، وهزم الجيوش، وكان قد أسر فيمن أسر خادمًا، فحسنت منزلته عنده حتى صار على طعامه وشرابه. وكان الخادم ينطوي على إسلام، فلم ير أبا سعيد يصلي صلاةً، ولا صام شهر رمضان. فأبغضه وأضمر قتله، فخلاه وقد دخل حمامًا في الدار ووثب عليه بخنجر فذبحه، ثم خرج ودعا بعض قواد أبي سعيد فقال له: كلم أبا سعيد. فلما حصل ذبحه. ثم استدعى آخر، ففعل به كذلك حتى فعل ذلك بجماعة من الكبار، وكان شجاعًا قويًا جلدًا. ثم استدعى في الآخر رجلًا، فدخل في أول الحمام، فإذا الدماء تجري، فأدبر مسرعًا وصاح، فتجمع الناس - وقد مر ذلك في سنة إحدى وثلاثمائة - وأخذ سعيد ذلك الخادم، فقرض لحمه بالمقاريض إلى أن مات.