للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٣٠ هـ وابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ وغيرها مما يَطُولُ تَعدادُه (١). وقد ظهرت هذه الكتابات في تواريخه المرتبة على الحوادث والوفيات مثل "تاريخ الإسلام" و"العبر" و"دول الإسلام" وغيرها. ونَستبينُ من نطاقِ كتاباتِه هذه أنه كان مؤرخًا جَوَّالَ الذهنية استطاع استيعابَ عصورِ التاريخِ الإسلامي من أول ظهوره حتى زمانه الذي كتب فيه مؤلفاته، وهي فترةٌ تزيد على السبعة قرون، فألف في كل هذه العصور بعد أنْ درسها دراسةً عميقةً قامت على دعامتين رئيستين هما: الرواية الشفوية والكتب. وهذا أمرٌ لم يتأت لكثيرٍ من العلماء الذين سبقوه أو عاصروه. وحينما كتب الذهبيُّ كتابه "تذكرة الحفاظ" ورتبه على الطبقات تكلم في نهاية أكثرها على الأوضاع السياسيةِ والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الوقت الذي تناولته فأجَملَ الأوضاعَ العامةَ بفقراتٍ قليلة دللت على سَعَةِ أُفقهِ التاريخي وقدرته الفائقة على تصوير حقبةٍ كاملة من الزمن وعلى امتداد العالم الإسلامي المترامي الأطراف بعبارةٍ وجيزة. وهذا أمرٌ لا يتأتى إلا لمن استوعبَ العصرَ ودرسه دراسةً عميقة بحيث حصل له مثل هذا التصور والفهم العام (٢).

ثم إن هذه المعرفة الرجالية الواسعة مع ما أُوتيَ من ذكاءٍ وإدراك واسعين جعلت منه ناقدًا رجاليًا ماهرًا، تدل على ذلك مؤلفاته في النقد وأصوله والتي من أبرزها كتابه العظيم "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" الذي اعتبره معاصروه (٣) ومَنْ جاء بعدهم (٤) من أحسن كتبه وأجلها. وقد تناوله عددٌ كبيرٌ من الحفاظ والعلماء والمعنيين بالنقد استدراكًا وتعقيبًا وتلخيصًا بحيث قال شمس الدين السخاوي: "وعَوَّلَ عليه مَنْ جاء بعده" (٥).

وللذهبيِّ التفاتاتٌ بارعة في أصول النقد؛ فقد ألف رسالة في "ذْكر مَنْ يعتمد قولُه في الجرح والتعديل" تكلم فيها على أصول النقد وطبقات النقاد


(١) انظر أدناه كلامنا على نهج الذهبي في الموارد.
(٢) انظر مثلًا الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج ١ ص ٧٠، ١٥٨ - ١٦٠، ٢٤٤، ٣٢٨، ج ٢ ص ٥٣٠، ٦٢٧ - ٦٢٨، ج ٤ ص ١٢٦٦، ١٤٨٥.
(٣) السبكي: طبقات، ج ٩ ص ١٠٤، الحسيني: ذيل تذكرة الحفاظ ص ٣٥.
(٤) ابن حجر: لسان الميزان، ج ١ ص ٤.
(٥) الإعلان، ص ٥٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>