للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفرنج من القدس، فهجمت الخوارزمية القدس، وقتلوا من به من النصارى، وهدموا مقبرة القمامة (١)، وأحرقوا بها عظام الموتى، ونزلوا بغزة وراسلوا صاحب مصر، فبعث إليهم الخلع والأموال، وجاءتهم العساكر، وسار الأمير حسام الدين ابن أبي علي بعسكر ليكون مركزاً بنابلس. وتقدم المنصور إبراهيم على الشاميين - وكان شهماً شجاعاً قد انتصر على الخوارزمية غير مرة - وسار بهم، ووافته الفرنج من عكا وغيرها بالفارس والراجل، ونفذ الناصر داود عسكره فوقع المصاف بظاهر غزة فانكسر المنصور شر كسرة واستحر القتل بالفرنج.

قال ابن واصل (٢): أخذت سيوف المسلمين الفرنج فأفنوهم قتلاً وأسراً، ولم يفلت منهم إلا الشارد، وأسر أيضاً من عسكر دمشق والكرك جماعة مقدمين؛ فحكي لي عن المنصور أنه قال: والله لقد قصرت ذلك اليوم، ووقع في قلبي أننا لا ننصر لانتصارنا بالفرنج، ووصلت عساكر دمشق معه في أسوأ حال.

وأما مصر فزينت زينةً لم تزين مثلها، وضربت البشائر، ودخلت أسارى الفرنج والأمراء، وكان يوماً مشهوداً بالقاهرة.

ثم عطف حسام الدين ابن أبي علي، وركن الدين بيبرس فنازلوا عسقلان وحاصروا الفرنج الذين تسلموها، فجرح حسام الدين، ثم ترحلوا إلى نابلس، وحكموا على فلسطين والأغوار، إلا عجلون فهي بيد سيف الدين ابن قليج نيابةً للناصر داود. ثم بعث السلطان الصالح نجم الدين وزيره معين الدين ابن الشيخ على جيشه، وأقامه مقام نفسه، وأنفذ معه الخزائن، وحكمه في الأمور، وسار إلى الشام ومعه الخوارزمية، فنازلوا دمشق وبها الصالح والمنصور صاحب حمص، فذل الصالح إسماعيل وبعث وزيره أمين الدولة متشفعا بالخليفة ليصلح بينه وبين ابن أخيه الصالح؛ فلم يظفر بطائل ورجع. واشتد الحصار على دمشق وأخذت بالأمان لقلة من مع صاحبها، ولفناء ما بالقلعة من الذخائر، ولتخلي الحلبيين عنه، فترحل الصالح إسماعيل إلى بعلبك


(١) يعني: القيامة.
(٢) مفرج الكروب ٥/ ٣٣٨ فما بعد.