للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تحقق الصالح فساد نيات الأشرفية وأنهم يريدون الوثوب عليه، فأخذ في تفريقهم والقبض عليهم. فبعث مقدم الأشرفية وكبيرهم أيبك الأسمر نائباً على جهة، ثم جهز من قبض عليه، فذلت الأشرفية، فحينئذ مسكهم عن بكرة أبيهم وسجنهم. وأقبل على شراء مماليك الترك والخطائية، واستخدم الأجناد. ثم قبض على أكبر الخدام شمس الدين الخاص، وجوهر النوبي، وعلى جماعة من الأمراء الكاملية، وسجنهم بقلعة صدر بالقرب من أيلة. وأخرج فخر الدين ابن الشيخ من حبس العادل فركب ركبةً عظيمة، ودعت له الرعية لكرمه وحسن سيرته، فلم يعجب الصالح ذلك وتخيل، فأمره بلزوم بيته، واستوزر أخاه معين الدين. ثم شرع يؤمر غلمانه، فأكثر من ذلك. وأخذ في بناء قلعة الجيزة (١)، واتخذها سكناً، وأنفق عليها أموالاً عظيمة. وكانت الجيزة قبل متنزهاً لوالده، فشيدها في ثلاثة أعوام، وتحول إليها.

وأما الناصر فإنه اتفق مع عمه الصالح إسماعيل والمنصور صاحب حمص فاتفقوا على الصالح.

وأما الخوارزمية فإنهم تغلبوا على حران، وملكوا غيرها من القلاع، وعاثوا وأخربوا البلاد الجزرية، وكانوا شراً من التتار لا يعفون عن قتل ولا عن سبي، ولا في قلوبهم رحمة.

وفي سنة إحدى وأربعين وقع الصلح بين الصالحين وصاحب حمص، على أن تكون دمشق للصالح إسماعيل، وأن يقيم هو والحلبيون والحمصيون الخطبة في بلادهم لصاحب مصر، وأن يخرج ولده الملك المغيث من اعتقال الصالح إسماعيل وكذلك أصحاب الملك الصالح مثل حسام الدين ابن أبي علي ومجير الدين ابن أبي زكري؛ فأطلقهم الصالح إسماعيل، وركب الملك المغيث وبقي يسير ويرجع إلى قلعة دمشق، ورد على حسام الدين ما أخذ له، ثم ساروا إلى مصر. واتفق الملوك على عداوة الناصر داود. وجهز الصالح إسماعيل عسكراً يحاصرون عجلون، وهي للناصر، وخطب لصاحب مصر في بلاده، وبقي عنده المغيث حتى تأتيه نسخ الأيمان، ثم بطل ذلك كله.


(١) وهي قلعة الجزيرة، وتعرف بقلعة الروضة، وبقلعة المقياس، وبالقلعة الصالحية. وانظر خطط المقريزي ٢/ ١٨٣.