أما هؤلاء فالسند عندهم غاية في حد ذاته، ولذلك ففنهم لا علاقة له بالحديث وعلومه إلا من جهة استعارة بعض الألفاظ الاصطلاحية لفنهم كالعلو والنزول والمصافحة والمساواة … الخ، ولذلك كان فنهم ينحصر في إسناد الكتب والدفاتر والقصائد والأوراد والأدعية والأذكار إلى أصحابها بأقصر طريق، وهو عمل جيد في مجال توثيق تلك الكتب والدفاتر والحفاظ على السند الذي خص الله به هذه الأمة، ولكن للاستفادة من ذلك المروي وهو عمل العلماء الجادين، أما الباحث في مجرد الإسناد، فقد أصبح ذلك عنده هواية أكثر منه علما، ولذلك تعاطى - في الغالب - هذه الهواية وجهاء المنتسبين إلى العلم وأغنيائهم، لأنها تتطلب رحلات وأسفارا وكتابات وبحثا مضنيا عن أصحاب الإسناد العالي مما لا يتهيأ - غالبا - لمطلق العلماء، وكل هذا أدى - كما تقدم - إلى تشجيع من يريد الحظوة عند هؤلاء أن يدعى علو الإسناد وبلوغ السن المعينة لذلك، ولأدى الأمر إلى تجاوز السن المعتادة، ومن لم تساعده هيأته على ادعاء كبر السن ادعى انفراده عن مسنين». انتهى (١)
• ومن صور طلب علو الإسناد والاهتبال به عند المتأخرين، رواية كثير منهم عن الجن، خصوصا وأن الجن يعمر أكثر من الإنس، وفيهم من سمع القرآن من النبي ﷺ وسمع منه أحاديث كثيرة، فأداها لغيره من الإنس، حسبما وردت به بعض الروايات التي تناقلها أصحاب الأسانيد والأثبات وفرحوا بها وتسلسلوا بالرواية عنهم بشروط معلومة وفي كتبهم مذكورة، فرووا عن مثل شمهروش القاضي ومهنية وعبد الله وعبد الوهاب وميمون وعبد المؤمن وغنام، وروى عنهم بعض الأفاضل - وهو من سقطاتهم - مثل النور عليّ الأجهوري، والنور الحلبي - صاحب «السيرة» -، وسلطان المزاحي، والعارف عبد الوهاب العفيفي المصري، وأبي العباس بن ناصر، ومحمد بن عبد الرسول المكي، وعبد الغني النابلسي، وأحمد
(١) مجلة «دعوة الحق» العدد ٣٤٨ رمضان ١٤٢٠ هـ/ دجنبر ١٩٩٩ م، مقالة: «المعمر المغربي أبو الدنيا الأشج وحقيقة ادعاء بعض الرواة للتعمير الكثير» للدكتور إبراهيم بن الصديق.