للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسندين المعمرين، ونقلوا مروياتهم وأسندوا عنهم، وفرحوا بها أيما فرح، وقد أشار الحافظ السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» (١) إلى أن لكل من الحافظين الذهبي وابن حجر كراسةً في المعمرين في الإسلام، ولكن يظهر أنهما جردا أسماء الذين عمروا التعمير العادي. لكن دُسَ على أهل الإسناد وطالبي أعلاه فأعلاه دسائس مثل أكاذيب بعض من ادعى أو ادعي له التعمير لحد خارج عن الاعتدال وبعيد عن المألوف المعتاد.

قال شيخُنا العلامة إبراهيم بن الصديق الغماري : «فقد كان أحدهم - وهو إبراهيم بن هدبة أبو هدبة الفاسي - سائلا يسأل الناس على قارعة الطريق ويُدعى إلى الأعراس ببغداد للرقص وتسلية الناس، فلما كبُر وشاخ حدثهم عن أنس بن مالك ، وهو في مائة الثالثة - فتهافتوا عليه. وهكذا وجد من ادعى الصحبة وهو في المائة الخامسة، ومن ادعى أنه تابعي رأى عددا من الصحابة، وقال إنه عمر مائتي سنة وثلاثمائة سنة … الخ، وقد قال الحافظ الذهبي في «الميزان» (٢): وما يُعنى برواية هذا الضرب ويفرح بعلوها إلى الجهلة. وقال في موضع آخر (٣): متى رأيت المحدث يفرح بعوالي أبي هدبة إبراهيم بن هدبة وخراش ودينار .. ». الخ فاعلم أنه عامي. اهـ

ويمكن القول بكل صراحة ووضوح إنه وقع في القرون المتأخرة شبه انفصال بين دراسة علوم الحديث رواية ودراية الدراسة الحقة المعروفة لدى الجميع، وبين التعاطي المجرد للبحث عن الأسانيد العالية، فالمحدثون الذين يعتبر البحث في الإسناد من أولى مهماتهم، قصدهم من ذلك أن يتعرفوا على رجال السند ويُقوّموهم تعديلا وجرحا لتوثيق السنة النبوية وإزالة الشوائب عن روايتها، ولذلك تطلبوا الإسناد العالي، فالسند عندهم وسيلة لا غاية.


(١) «الإعلان بالتوبيخ» للسخاوي ص ٢٣٣.
(٢) «ميزان الاعتدال» ٤/ ٥٢٢.
(٣) نقله عنه السيوطي في «تدريب الراوي» ٢/ ٦٠٧.

<<  <   >  >>