المطالع لفِكْر الحافظ ابن كثير، والمتتبع لعلمه الغزير، يستطيع أن يدرك بأنَّ هذا الرجل وهَب حياته للعِلم، وأنَّ هناك عوامل كثيرة أثرت في ثقافته؛ كعصره الذي انعكس على ثقافته العلمية، وحفَّزه على الاغتراف من كافة علوم عصره؛ ونشأته الدينية، والجو الأسري المحافظ الذي ترعرع فيه؛ فقد نشأ الحافظ ابن كثير في بيئة علمية، دينية، ثقافية، تشجع أبناءها على طلب العلم والمعرفة؛ فكان أبوه عُمر بن كثير خطيبًا، ولغويًا، وأديبًا فاضلًا، حرص على تربية أبنائه تربية دينية صحيحة، وتوجيههم للاطلاع على المعارف المختلفة، ودراسة العلوم الشرعية؛ وكان أخوه عبد الوهاب بن عمر بن كثير عالمًا بالفقه فتولَّى رعايته، وتعليمه، وتوجيهه؛ فكان من ذلك أن اهتم ابن كثير بدراسة معظم علوم الدين؛ كالتفسير، والقراءات، والحديث والفقه وأصوله، والتاريخ، وغيرها من العلوم التي ساهمت في تطور ثقافته، وبلورة تكوينه العلمي المتميز.
وسنذكر - هاهنا باختصار - العلوم المختلفة، التي تلقاها ابن كثير.
[أ - في القرآن وعلومه]
قرأ ابن كثير القرآن الكريم وحفظه وختمه في سنة ٧١١ هـ - عندما كان في الحادية عشر من عمره - على يد شيخه ابن غيلان البعلبكي (١).
(١) البداية والنهاية لابن كثير (١٦/ ٢٣١)، ابن كثير الدمشقي للزحيلي (ص: ٧٩، ٨٧)، الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث لآل شلش (ص: ٥٣).