للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكريم ﴿إنه يراكم هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا ترونهم﴾، وأنبأني محمد بن الفضل الفقيه، عن أحمد بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنا الحسن ابن رشيق - إجازة - قال: أنا عبد الرحمن بن أحمد الهروي، سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجنّ أبطلت شهادته، لأن الله تعالى يقول ﴿إنه يراكم هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا ترونهم﴾، إلا أن يكون نبيا. وهكذا هو عند البيهقي في كتب فقه الشافعية (١).

وهو غريب جدا ولاسيما من الإمام الشافعي ، فإنه مخالف للثابت في السنة ومصادِمٌ للمحسوس (٢)، بل هو من قبيل إنكار البديهيات (٣)، فإن رؤية الإنس للجن بديهي الثبوت ضروري العلم لا يختلف فيه اثنان، إذ الوقائع بذلك تخرج عن دائرة إمكان الحصر، بل لو ادعى مدع أن ثلث العالم أو ربعه في كل زمان يقع له ذلك لما أبعد. والآية خارجة مخرج الإخبار عن الأصل والطبيعة التي خلقهم الله عليها كما هو الواقع، وذلك لا ينافي ظهورهم في بعض الأحيان لبعض الناس وعلى سبيل الندرة لهم أيضا، فإن كثيرا ممن يراهم قد يقع له ذلك مرة واحدة في عمره أو مرتين، وقليل من يكثر رؤيته إياهم.

وقد يكون المراد من الآية: لا ترونهم على أصل خلقتهم التي خُلقوا عليها، وهم لا يُرون على خلقتهم، وإنما يُرون بعد تشكلهم وتطورهم، إما في صورة إنسان أو في صورة حيوان كالكلب والثعبان والهرة ونحوها.


(١) ذكره ابن حجر المكي في «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» ٧/ ٢٩٧، واستغربه مُحشيها أبو القاسم العبادي فقال ٧/ ٢٩٧ منها: «إن أريد به قوله تعالى ﴿إنه يراكم هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا ترونهم﴾، فهو مشكل لأن غاية ما في الآية إثبات حالة مخصوصة وهي تمكنهم من رؤيتنا في حالة لا نراهم فيها، وليس فيها عموم ولا حصر، وذلك لا ينافي أن لنا حالةً أخرى نراهم فيها، خصوصا وقد وردت الأدلة برؤيتهم فليتأمل.» اه وأقره عبد الحميد الشرواني في حاشيته على «التحفة» أيضا ٧/ ٢٩٧.
(٢) قال الغزالي في «معيار العلم في فن المنطق» ص ٩٠: فالمحسوسات هي المدركات بالحواس الخمس كالألوان، ويتبعها معرفة الأشكال والمقادير وذلك بحاسة البصر، وكالأصوات بالسمع … الخ
(٣) قال ابن عرفة في «المختصر في المنطق» ص ٢٨: «البديهيات: القضايا التي تصور طرفيها كاف في إيقاع نسبتها، كالواحد نصف الاثنين.» اه

<<  <   >  >>