«ونقول: إن المستمع إلى الغناء والملاهي فإن ذلك كما قال ﵇: «الغناء ينبت النفاق في القلب»(١)، وإن لم يكفر فهو فسق لا محالة».
لا شك أن الغناء محرم، وللعلامة ابن القيم ﵀ رسالة في السَّماع مهمة، بعنوان:«الكلام على مسألة السماع»، بسط فيها الكلام على مسألة السماع والغناء، وردَّ على جُلِّ الشُّبه التي أُثيرت حولها، وفرق فيها بين السماع القرآني والسماع البِدعي والشيطاني.
وإنَّ من الأسباب الرئيسة لهجر استماع القرآن الكريم: استماع الغناء واللهو والمزمار، الذي أصبح منتشرًا الآن.
ولقد صَرَّح ابن القيم بأن «مِنْ مكايد عدو الله ومصائده، التي كاد بها مَنْ قَلَّ نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء، والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المُنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحَسَّنه لها مكرًا منه وغرورًا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورًا. فلو رأيتهم عند ذيَّاك السماع وقد خشعت منهم الأصوات وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابة واحدة إليه، فتمايلوا له ولا كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان؟ ويحق لهم ذلك وقد خالط خماره النفوس، ففعل فيها أعظم ما يفعله حميا الكؤوس فلغير الله، بل للشيطان، قلوب هناك تمزق، وأثواب تشقق، وأموال في غير طاعة الله تنفق. حتى إذا عمل
(١) حديث: «الغناءُ ينبِتُ النِّفاقَ في القلبِ كما ينبِتُ الماءُ البقلُ»، أخرجه أبو داود (٤٩٢٧)، وابن أبي الدنيا في «ذم الملاهي» (٣٩)، والبيهقي (٢١٥٣٧)، عن عبد الله بن مسعود ﵁، وإسناده ضعيف. انظر: «خلاصة البدر المنير» لابن الملقن (٢/ ٤٤٠).