للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٥٠) «وكذلك قول النبي : «إذا قَامَ أَحَدُكُمْ إلى الصَّلاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ» (١) الحديث حَقٌّ على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قِبَلُ وَجْه المُصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات؛ فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء ويناجي الشمس والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه وكانت-أيضًا-قِبَل وجهه».

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن المعلوم: أنَّ مَنْ توجه إلى القمر وخاطبه- إذا قدر أن يُخاطبه- لا يتوجه إليه إلا بوجهه مع كونه فوقه، فهو مُستقبل له بوجهه مع كونه فوقه، ومن الممتنع في الفطرة أن يستدبره ويخاطبه مع قصده التام له وإن كان ذلك ممكنًا، وإنما يفعل ذلك من ليس مقصوده مخاطبته؛ كما يفعل من ليس مقصوده التوجه إلى شخص بخطاب فيعرض عنه بوجهه ويخاطب غيره؛ ليسمع هو الخطاب؛ فأمَّا مع زوال المانع فإنما يتوجه إليه؛ فكذلك العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه يَستقبل ربَّه وهو فوقه فيدعوه من تلقائه لا من يمينه ولا من شماله، ويدعوه من العلو لا من السُّفل، كما إذا قدر أنه يخاطب القمر. وقد ثبت في «الصَّحيحين» أنه قال: «لَينتهين أقوامٌ عن رفع أبصارهم في الصلاة أو لا تَرجع إليهم أبصارهم» (٢).

واتفق العلماء على أن رفع المصلي بصره إلى السماء منهي عنه.

وروى أحمد عن محمد بن سيرين: أن النبي كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء حتى أنزل الله تعالى: ﴿قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾، فكان بصره لا يُجاوز موضع سجوده» (٣)، فهذا مما جاءت به الشريعة تكميلًا للفطرة؛ لأن الداعي السائل الذي يؤمر بالخشوع-وهو الذل والسكوت-لا يناسب


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٧٥٠) ومسلم (٤٢٨) واللفظ له، من حديث أنس بن مالك .
(٣) أخرجه أحمد «العلل ومعرفة الرجال» (٢/ ٣٨١)، وأنكره جدًّا، وقال: «اضرب عليه»، وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (٢/ ٢٧١)، وبَيَّن أنه: «مرسل ورجاله ثقات».

<<  <  ج: ص:  >  >>