«وإن مما نعتقد أن الله لا يأمر بأكل الحلال، ثم يعدمهم الوصول إليه من جميع الجهات؛ لأن ما طالبهم به موجود إلى يوم القيامة. والمعتقد أن الأرض تخلو من الحلال، والناس يتقلبون في الحرام؛ فهو مبتدع ضال، إلا أنه يقل في موضع ويكثر في موضع؛ لا أنه مفقود من الأرض».
مسألة الحلال والحرام تتبين بأمور:
أولها: النصوص، فالحلال ما أحلّه الله والحرام ما حرمه الله، وقد جاءت النصوص في بيان أن الأصل في الأمور الحل، وأن الحرام ما نُص عليه أو دخل في قاعدة من القواعد التي يتبين بها الحرام من خلال النصوص الشرعية أو الإجماع، هذا أمر.
ثانيها: أن هناك درجة أخرى للتمييز بين الحلال والحرام بعد النصوص الشرعية، وهو الفطرة والعقل السليم، فإن الفطرة والعقل السليم رُكّبت على أنها توافق الشرع في الإقرار بما أحله الله ﷿ والنفور مما حرمه الله.
وهو هنا يشير إلى المعنى الفطري في المسلمين الذين هم على الاستقامة، وهم عامة المسلمين الذين لم تدخلهم الشبهات ولا الشهوات، أما إذا دخلت على الإنسان الشبهات والشهوات فإنه قد يحلف على الحلال بأنه حرام والعكس كذلك، لأنه مسخت فطرته، وفسد عقله، وتبع هواه.
ولا شك أن الوصول إلى الحلال إنما يكون بطريق التجارة، كما قال تعالى: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، فإذًا لابد من التكسب، ولا بد من التجارة، ومَن قال: وزعم أن الناس جميعًا يتقلبون في الحرام، فهو مبتدعٌ ضالٌّ، ولا شك أن هذا الأمر، أي: الحرام يَقل ويَكثر ويُوجد في بعض البيوع ويوجد في بعض التجارات، لكن لا نزعم أن كل التجارات وكل البيوع هي كسبٌ مُحَرَّم، ومما نعتقده أنا إذا رأينا مَنْ ظاهره جميل لا نتهمه في مكسبه وماله وطعامه.
فلذلك هذا ردٌّ على زعم مَنْ يزعم أنَّ كل إنسان عنده غنى أو في نعمة: أن كسبه