للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٨) "كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم، في الجاهلية الإسلام، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته".

رابعاً: دليل الفطرة.

ثم انتقل المصنف إلى دليل الفطرة: فدليل الفطرة أمرٌ الله -جَبَلَ النفوس عليه، فما من قائلٍ يقول: يا الله، إلا ويجد في نفسه ضرورة تطلب جهة العلو، لا يلتفت يمنةً ولا يسرة، فأنت إن شئت انظر بعد أن تصلي في مساجد المسلمين كيف يرفع الناس أيديهم في الدعاء، ويتجهون إلى جهة العلو، ولا يلتفتون يمنةً ولا يسرة.

فقد قال إمام الأئمة محمد بن خزيمة : «باب ذكر البيان أن الله ﷿ في السماء، كما أخبرنا في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ وعلى لسان نبيه ، وكما هو مفهوم في فطرة المسلمين علمائهم وجُهَّالِهِمْ وأَحْرَارِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِم بَالِغِيهِم وأَطْفَالِهِم، كل مَنْ دعا الله جل وعلا فإنه يرفع رأسَه إلى السماء ويمد يدَيْه إلى الله إلى أعلاهُ، لا إلى أسفل» (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأمَّا كونه عاليًا على مخلوقاته بائنًا منهم، فهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرةِ الضروريةِ التي يشترك فيها جميع بني آدم.

وكُلُّ مَنْ كان بالله أعرفَ وله أَعْبَدَ ودُعَاؤُهُ له أكثرَ وقَلْبُهُ له أَذْكَرَ كان علمُه الضروريُّ بذلك أقوى وأكملَ، فالفطرة مُكَمَّلَةٌ بالفطرة المنزَّلة؛ فإن الفطرةَ تعلم الأمر مُجْمَلًا والشريعة تُفَصِّلُهُ وتُبَيِّنُهُ وتَشْهَدُ بما لا تَسْتَقِلُّ الفطرة به، فهذا هذا، والله أعلم» (٢).

فالله تعالى فطر القلوب على إثبات علوه عز جل، ولذلك لما تكلم أبو المعالي الجويني في إنكار صفة العلو؛ وقال على المنبر: كان اللهُ ولا عَرْشَ، فقال له أبو


(١) «التوحيد» (١/ ٢٥٤).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٤/ ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>