للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات وارتبطت بها (١).

وبهذا يتبين أنَّ معرفة العبد لأسماء الله وصفاته على الوجه الذي أخبر الله ﷿ به في كتابه وسنة رسوله تُوجب على العبد القيام بعبودية الله على الوجه الأكمل، فكلما كان الإيمان بالصفات أكمل كان الحب والإخلاص والتعبد أقوى، وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر؛ إذ كل اسم من أسمائه ﷿ له تَعَبُّد مُختص به؛ علمًا ومعرفة وحالًا.

(علمًا ومعرفة): أي: إنَّ مَنْ عَلِم أنَّ الله مسمى بهذا الاسم، وعرف ما يتضمنه من الصفة، ثم اعتقد ذلك، فهذه عبادة.

و (حالًا) أي: إن لكل اسم من أسماء الله مدلولًا خاصًّا وتأثيرًا معينًا في القلب والسلوك، فإذا أدرك القلب معنى الاسم وما يتضمنه واستشعر ذلك، تجاوب مع هذه المعاني، وانعكست هذه المعرفة على تفكيره وسلوكه.

وهذه الطريقة مُشتقة من قلب القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾.

والدعاء بها يتناول: دعاء المسألة. ودعاء الثناء. ودعاء التعبد.

وهو-سبحانه-يدعو عباده إلى أن يَعرفوه بأسمائه وصفاته، ويُثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظِّهم من عبوديتها (٢).

تاسعًا: ضرورة تجنُّب الباطل، وعدم مخالفة طريق الحق في هذا الباب:

قد وقع الخلاف في هذا الباب، وكَثُر كلام أهل الباطل فيه؛ لما عرفوا من أهميته، فبالتالي ازداد تسلطهم عليه، وأرادوا أن يَحجبوا الناس عن معرفة الله تعالى؛ لأنهم بهذا سيوصدون الباب، وإذا أُوصد الباب لم يمكن الدخول! فَكَثُر الخلاف والافتراق، فكان لا بد مِنْ مَعرفة تَنبني على الكتاب والسنة، وكان لا بد من فهم للحقِّ حتى يُتَّبع، ولا بد من معرفة للباطل حتى يُجتنب.

فباب الأسماء والصفات من أكثر الأبواب خطورة ومَزلة؛ من جهة كونه محل خلافات شديدة ومعقدة دارت رحاها بين علماء السلف من جهة والفلاسفة وأهل الكلام والمُشبهة من جهة أخرى.

فمن واجب طالب العلم: أن يَتعمق في فهم الحق المَبني على الكتاب والسنة؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، فالرد إلى الله يكون بالرد إلى كتابه،


(١) «مفتاح دار السعادة» (٢/ ٩٠).
(٢) «مدارج السالكين» (١/ ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>