للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نعلم أنه أكل أموال اليتامى بأنه في النار، وكذلك توعد الله آكل الربا بالنار، وتوعد القاتل المتعمد بالنار؛ فلا يجوز أن نَحكم على مسلم بعينه بأنه من أهل النار وإن فعل ما توعد الله من فعل هذا الفعل بالنار بإطلاق.

وكان الأئمة يُكَفِّرون ببعض المقالات، ومع ذلك لا يحكمون بكفر من يقول بها؛ فالإمام أحمد اشتهر عنه أنه قال: «مَنْ قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر»، ومع ذلك كان يصلي خلف مَنْ يقول: القرآن مخلوق. لأنه-كما قلنا-لا بد من الحكم على معين بالكفر مِنْ تحقق شروط وانتفاء موانع.

فكلام الإمام أبي حنيفة هنا لا يعني أن كل من أنكر صفة العلو نقول له: أنت كافر خارج من الملة. لا، فكلام الأئمة يُؤخذ على عمومه، ولا يحكم به على شخص معين إلا بعد قيام الحجة وانتفاء الموانع وزوال ما عنده من شُبهة.

وكذلك ينبغي أن نَبُثَّ مثل هذه الآثار عن الإمام أبي حنيفة؛ لأن بعض أتباع مذهبه يتعصبون له، ويُشنعون على المخالفين له، وينكرون صحة نسبة هذه النصوص إليه، وبعضهم يؤولها، مع أنَّها نصوص ثابتة عنه ، وهي صريحة في إثبات صفة العلو والإنكار الشديد على مَنْ أنكرها، فكلامه لا يحتمل التأويل؛ لأنه كَفَّر حتى المتوقف الذي يقول: لا أدري؛ العرش في السماء أم في الأرض؟ فقال: «هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عِليين، وأنه يُدعى مِنْ أعلى لا من أسفل».

وقد ذكر هنا حُجَّتين فطرية عقلية؛ وهما: أن القلوب مَفطورة على الإقرار بأن الله في العُلو، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل. وهذا يُقر به كل أحد.

أما الأقوال في صفة العلو فهي على النحو الآتي:

[القول الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم]

يؤمن أهل السنة بعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وأنه بائن من خلقه وهم بائنون منه.

وقد وافقهم على قولهم في إثبات العلو عامة الصفاتية، كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه، وأبي العباس القلانسي (١)، وأبي الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه.


(١) قال عنه ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص ٢٩٨): «أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي، من معاصري أبي الحسن الأشعري لا من تلاميذه، كما قال الأهوازي، وهو من جلة العلماء الكبار الأثبات، واعتقاده موافق لاعتقاده في الإثبات، (أي موافق لاعتقاد الأشعري).

<<  <  ج: ص:  >  >>