للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

«ومَن جعل السؤال حرفة-وهو صحيح-فهو مذموم في الحقيقة خارج».

وفي النهي عن سؤال الناس أحاديث كثيرة في الصِّحاح والسُّنن والمسانيد، كقوله : «لا تَزال المسألةُ بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم»، وقوله: «مَنْ سأل الناس وله ما يُغنيه جاءت مَسألته يوم القيامة خُدُوشًا-أو خموشًا أو كُدوحًا-في وجهه»، فهل يَرضى الإنسان أن يَلقى الله يوم القيامة على هذا الحال؛ نسأل الله العافية.

والمسألة لا تَصلح إلا لثلاث؛ لذي فَقر مُدقع، أو لذي غُرم مفظع، أو لذي دَم مُوجع، كما جاء في الحديث.

والفقر المدقع، أصله من الدقعاء، وهو التراب، ومعناه: الفقر الذي يُفضي بصاحبه إلى التراب، بحيث لا يكون عنده ما يتقي به التراب.

والغرم المفظع: أي: الشنيع المجاوز المقدار، وأراد به الديون الفادحة التي تهبط صاحبها.

والدم المُوجع: هو الذي يُوجع أولياء المقتول من شِدَّة تحمُّلِ الدِّيات (١).

ولذلك حث النبي على العمل، وذمَّ المسألة؛ فقال: «لأن يَأخذ أحدُكم حَبْلَه، فيَذهب فيحتطب خير له من أن يَسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه».

ودعا إلى الصبر والاستغناء والاستعفاف عمَّا في أيدي الناس؛ فقال: «مَنْ يَستغنِ يُغنه الله، ومَن يَستعفف يُعِفَّه الله، ومَن يتصبر يُصبره الله، وما أُعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر».

وأوصى خواصَّ أصحابه ألَّا يَسألوا الناس شيئًا، كما جاء في شأن أبي بكر أنَّه كان يسقط سوط الدابة من يده، فينزل عن دابته، وهذا فيه كلفة ومشقة، ويتناول سوطه؛ لكيلا يطلب من أحد أن يناوله إيَّاه، مع أن هذه الأمور قد تكون من أقل


(١) انظر: «الميسر في شرح مصابيح السنة» للتُّورِبِشْتِي (٢/ ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>