«ونقول: إن ترك المكاسب غير جائز إلا بشرائط مرسومة من التعفف والاستغناء عما في أيدي الناس».
كما نعلم أن الصوفية تقوم على ترك التكسب، ويعيشون عالة على الناس وعلى أوقافهم، مع أنه لا يحل للإنسان ذلك إذا صحيحًا سليمًا، ويأكلون من أوقاف أهل الخير التي أوقفوها على المحتاجين والأرامل والأيتام؛ فتجد المتصوفة يستولون على مثل هذه الأوقاف ويستغلونها باسم الدين، والله المستعان.
وقد غلط بعض المتصوفة وزعم أن طلب الأكل أو الرزق عند الجوع ينافي التوكل، ويحثون الناس على ترك التكسب والأخذ بالأسباب.
وهذا الزعم ينافي الشرع والعقل؛ فلا بد من الأخذ بالأسباب؛ دنيوية كانت أو شرعية، وهذا الأخذ لا ينافي التوكل والاستعانة بالله ﷿.
والأخذ بالأسباب مِنْ القدر، والله ﷾ هو مسبب الأسباب، وهو الذي خلق هذه الأسباب وجعلها أسبابًا، فهذا حال المؤمنين بالله ورسوله العابدين لله، وكل ذلك من العبادة، ويَفقه هذه الأمور من وضع نصب عينيه توحيد العبادة؛ فتوحيد العبادة؛ منه التوكل، ومنه الإنابة، ومنه الخشية، ومنه الأمر بالمعروف، ومنه النهي عن المنكر، ومنه الجهاد في سبيل الله.
وكل هذه المعاني والشعائر يجب أن تكون واضحة ظاهرة، وعلينا أن نتمثلها في أنفسنا، وأن نُعَلِّمها لأسرنا ومجتمعاتنا وسائر أُمَّتنا، فلا بد من غرس المعاني الحقة وإبعاد تلك المعاني الفاسدة التي لصقت في أذهان الناس، حتى إنهم أصبحوا لا يعرفون من الدِّين إلا تلك الصورة الباطلة، فأصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والعياذ بالله.