للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: «وإن مما نعتقده: أن العبد ما دام أحكام الدار جارية عليه؛ فلا يسقط عنه الخوف والرجاء، فكل مَنْ ادعى الأمن فهو جاهل بالله وبما أخبر به عن نفسه: ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩]، وقد أفردت كشف عوار كل من قال بذلك».

وقال هنا: «وإن مما نعتقده: أن العبد ما دام أحكام الدار جارية عليه؛ فلا يسقط عنه الخوف والرجاء»،

ولا شك أن المؤمن يَعيش بين الخوف والرجاء، كما قال تعالى: ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾، فإن الإنسان يعيش بين المقامين إلا في حالة واحدة عند انقطاع العمل والإقبال على الله ؛ فيُغَلِّب في هذا الحال جانب الرجاء على جانب الخوف؛ لأن العمل قد انتهى.

فلا بد أن تكون العبودية مبنية على الحب والخوف والرجاء، ومتى اختلَّ ركن من هذه الأركان اختلت العبودية، ويبعث على تحقيق العبودية أمران اثنان: مشاهدة منة الله تعالى ونعمه، ومطالعة عيوب النفس والعمل؛ قال ابن القيم : «قال شيخ الإسلام: العارفُ يَسير إلى الله بين مشاهدة المِنَّة ومطالعة عيب النَّفس والعمل، وهذا معنى قوله في الحديث الصَّحيح من حديث شَدَّاد بن أوس رضي الله تعالى عنه: «سَيِّدُ الاستغفار أن يَقول العبدُ: اللهم أنتَ ربِّي لا إله الا أنت، خَلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك مِنْ شَرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ إنَّه لا يَغفر الذنوب إلا أنت» (١)، فجمع في قوله : «أَبُوءُ لَكَ بنعمتك عليَّ وأَبُوء بذنبي» مشاهدةَ المِنَّة ومطالعةَ عيب النفس والعمل. فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لوليِّ النِّعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل تُوجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل


(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٦) من حديث شداد بن أوس .

<<  <  ج: ص:  >  >>