للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«ومما نعتقده أنا إذا رأينا مَنْ ظاهره جميل لا نتهمه في مكسبه وماله وطعامه؛ جائز أن يؤكل طعامه، والمعاملة في تجارته؛ فليس علينا الكشف عما ماله. فإن سأل سائل على سبيل الاحتياط؛ جاز، إلا من داخل الظلمة.

ومن لا يزغ عن الظلم وأخذ الأموال بالباطل ومعه غير ذلك: فالسؤال والتوقي؛ كما سأل الصديق غلامه؛ فإن كان معه من المال سوى ذلك مما هو خارج عن تلك الأموال فاختلطا، فلا يطلق عليه اسم الحلال ولا الحرام، إلا أنه مشتبه؛ فمن سأل استبرأ لدينه كما فعل الصِّدِّيق (١). وأجاز ابن مسعود وسلمان وقالا: «كُلْ منه وعليه التبعة» (٢)، والناس طبقات، والدين: الحنيفية السمحة».

وقال هنا: «ومَن لا يزغ عن الظلم وأخذ الأموال بالباطل ومعه غير ذلك: فالسؤال والتوقي»؛ أي: إذا كان المال خليطاً من الحلال والحرام فعلى الإنسان أن يتوقَّى، واستشهد على ذلك بفعل أبي بكر مع غلامه في مسألة الكسب الذي أخذه، فلما علم أنه من كهانة أدخل أصبعه في فمه حتى قاءه.

فالإنسان يستبرأ لدينه، فإذا كان المال خليطًا؛ فبعض أهل العلم يُفتي بالحِل، والبعض يفتي بالحرمة من جهة أن على الإنسان أن يستبرأ لدينه.


(١) أخرجه البخاري (٣٨٤٢) عن عائشةَ قَالَتْ: «كانَ لأبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ غُلامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَراجَ، وكانَ أَبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَومًا بِشَيءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ: تَدْرِي مَا هَذا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ومَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ في الجاهِلِيَّةِ، ومَا أُحْسِن الكَهَانَةَ إِلا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيني، فَأَعْطَاني بِذلكَ هَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَه، فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ فِي بَطْنِهِ».
(٢) روى الأثرين عبد الرزاق في «مصنفه» (٨/ ١٥٠)، برقم (١٤٦٧٥)، و (١٤٦٧٧).
ومعنى التبعة: ما فيه إثم يتبع به صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>