للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كيف يعقله البشر، لا أن المراد نفي الكيفية مطلقاً، فإن كلَّ شيء لابد وأن يكون على كيفية معيَّنة، ومرادهم هو نفي العلم بهذه الكيفية، فلا يعلم كيف الله ﷿ ولا كيف صفاته إلا هو، وهذا من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، فلا سبيل للوصول إليه (١).

وعدم العلم بالكيفية لا يقدح في الإيمان بالصفات، ومعرفة معانيها

فمن المقرر في منهج أهل السنة والجماعة في باب الصفات، أن عدم العلم بالكيفية والذي سبق تأكيده من خلال النقاط السابقة، لا يقدح أبداً في الإيمان بالصفات ومعرفة معانيها، فإن الكيفية وراء ذلك، فإثبات السلف للصفات إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، يؤمنون بتلك الصفات، ويفهمون معانيها ويفسرونها ويعتقدون ما دلت عليه من الأحكام ويعملون بمقتضياتها من الآثار (٢).

فكثيرٌ من الأمور التي أخبر الله ﷿ بها، لا تُعلم كيفيَّتها ولا كنهها، ولم يمنع ذلك من الإيمان والتصديق الجازم بها.

فمنها ما أخبر الله ﷿ به من حقائق الإيمان باليوم الآخر، فإنا نؤمن بها وإن لم نعلم حقيقتها وكيفيتها، ومن ذلك الروح التي بين جنبي الإنسان، كل واحدٍ منا يشعر بها ويوقن بوجودها لكن لا يدرك كنهها وحقيقتها، ومع ذلك لم يمنعه عدم علمه بكيفيتها من الإيمان بوجودها.

فكان الإيمان بالصفات مع الابتعاد عن طلب كيفيتها من منهج الراسخين في العلم المتبعين لهدي الكتاب والسنة، والذين يقولون وفق هذا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ (٣)، أما طلب علم الكيفية، فيترتب على ذلك: إما تعطيل للصفات، أو تمثيلها بالمخلوقات، وهذا هو سبيل أهل الأهواء والبدع، الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ (٤).

كما هو شأن أهل السنة والجماعة دائماً فإنهم ينطلقون في جميع ما يستنبطونه من قواعد وأسس لمنهجهم في توحيد الأسماء والصفات، وفي سائر الأبواب، من


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل (٢/ ٣٥)، مدارج السالكين (٣/ ٣٧٦)، شرح العقيدة الواسطية للهراس ص (٢٢)، شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (١/ ٩٩).
(٢) انظر: الحجة في بيان المحجة (١/ ٢٨٨ - ٢٨٩)، بيان تلبيس الجهمية (٢/ ١٨٠)، مدارج السالكين
(٣/ ٣٧٦)، الصواعق المرسلة (١/ ٢١٠).
(٣) الآية [٧] من سورة آل عمرن.
(٤) الآية [٧] من سورة آل عمرن.
انظر: معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات ص (١٠٣ - ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>