للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كيف استوى؟، فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضَاء ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا، ثم أمر به أن يُخرج" (١).

فقول ربيعة ومالك: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" موافقٌ لقول الباقين: "أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف"، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة.

ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا: "أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف" (٢)، فإن الاستواء حينئذٍ لا يكون معلومًا، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم.

(٩٢) وأيضًا: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية، إذا لم يفهم من اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.

(٩٣) وأيضًا: فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقًا لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان من مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.

(٩٤) وأيضًا: فقولهم: أمِرُّوها كما جاءت. يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظًا دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمِرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمِرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن الله لا يُوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيفية عما ليس بثابت لغوٌ من القول".

جاءت عبارة "بلا كيف" في آثارٍ كثيرةٍ عن السلف الصالح عند حديثهم عن نصوص الصفات، كما أورد المصنف هنا، ومعنى قولهم: "بلا كيف"، أي: بلا


(١) انظر: كتاب الأسماء والصفات للبيهقي الجزء الثاني صفحة (٣٠٥).
(٢) تقدم الإشارة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>