للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والأحاديث معاني تخالف مدلولها المفهوم منها، وأن ذلك المعني المراد بها لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه الملك الذي نزل بالقرآن، وهو جبريل ولا يعلمه محمداً ولا غيره من الأنبياء، ولا تعلمه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وأن محمداً كان يقرأ قوله تعالي ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ طه: ٥ قوله ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ فاطر: ١٠ وقوله ﴿بل يداه مبسوطتان﴾ المائدة: ٦٤ وغير ذلك من آيات الصفات، بل ويقول: "ينزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا" ونحو ذلك، وهو لا يعرف معاني هذه الأقوال، بل معناها الذي دلت عليه لا يعلمه إلا الله، ويظنون أن هذه طريقة السلف.

قال ابن القيم: «والمقصود أن التَّأْوِيل يتجاذبه أصلان: التفسير، والتَّحْرِيف.

فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التَّحْرِيف هو الباطل.

فتأويل التَّحْرِيف مِنْ جنس الإلحاد؛ فإنه هو الميلُ بالنصوصِ عن ما هي عليه، إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها، وكذلك الإلحاد في أسماء الله يكون بجحد معانيها وحقائقها، وتارةً يكون بإنكار المسمَّى بها، وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها.

فالتَّأْوِيل الباطل هو إلحادٌ وتحريفٌ، وإن سماه أصحابه تحقيقًا وعرفانًا وتأويلًا.

فمِن تأويل التَّحْرِيف والإلحادِ تأويلُ الجهمية قولَه تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، أي: جَرَحَ قلبَه بالحِكم والمعارف تجريحًا.

ومن تحريف اللفظ إعراب قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ﴾ من الرفع إلى النصب، وقال: (وكلَّم اللهَ) أي: موسى كلم اللهَ، ولم يكلمه اللهُ، وهذا من جنس تحريف اليهود، بل أقبح منه، واليهود في هذا الموضع أولى بالحق منهم.

ولما حرَّفها بعضُ الجهمية هذا التَّحْرِيف قال له بعض أهل التوحيد: فكيف تصنعُ بقوله: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف: ١٤٣]؟! فَبُهِتَ المحرِّف.

ومن هذا أنَّ بعض الفرعونيَّة سأل بعضَ أئمة العربية هل يمكن أن يُقرأ العرش بالرفع في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؟ وقصد الفرعونيُّ بهذا التَّحْرِيف أن يكون الاستواء صفة للمخلوق، لا للخالق.

ولو تَيَسَّر لهذا الفرعوني هذا التَّحْرِيف في هذا الموضع لم يتيسر له في سائر الصفات» (١).


(١) «الصواعق المرسلة» (١/ ٢١٥ - ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>