للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فإنهم كانوا أعظم الناس فهما وتدبرًا لآيات الكتاب وأحاديث النبي ، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنهم لم يكونوا يتكلفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيات الصفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك، الضيق الذي دخل عليهم بسبب التشبيه، فأرادوا الفرار منه فوقعوا في التعطيل،، ولم يقع تعطيل إلا بتشبيه، ولو أنهم نزهوا الله تعالى ابتداء عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصفة مع نفي المماثلة لسلموا ونجوا، ولوافقوا اعتقاد السلف ولبان لهم أن السلف لم يكونوا حملة أسفار لا يدرون ما فيها.

ومن تدبر كلام أئمة السلف المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظرًا، وأعلم الناس في هذا الباب، وأن الذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، ولذلك صار أولئك الذين خالفوا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ (١).

ومن له اطِّلاع على أقوال السلف المدونة في كتب العقيدة والتفسير والحديث، يدرك أن السلف تكلموا في معاني نصوص الصفات، وبينوها ولم يسكتوا عنها، وهذه الأقوال أكبر شاهدٍ على فهم السلف لتلك النصوص وإدراك معانيها (٢).

ودعوى تفويض معاني النصوص دعوى مرفوضة وهي دليل على جهل المخالفين بأقوال السلف في هذا الباب.

وقد حاول أولئك تمرير هذا الباطل تحت عدد من المسميات، فقد أثاروا هذه المسألة تحت قضية المحكم والمتشابه، وتحت دعوى التأويل، وتحت دعوى المجاز، وتحت دعوى التفويض، وغيرها من المسائل.

أشار المصنف هنا بشيء من الإجمال إلى أصحاب هذا القول، وبين في أخر الفتوى الحموية تفاصيل بعض قولهم فقال: "وأما القسمان الواقفان:

- فقسم يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله، ويجوز ألا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك. وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم.

- وقسم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث، معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات".


(١) الآية ١٧٦ من سورة البقرة
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل (١/ ٢٧٨ - ٢٧٩، ٧/ ١٠٨ - ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>