للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(٧٨) "وأما الصنف الثالث: وهم أهل التجهيل: فهم كثير من المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف. يقولون: إن الرسول لم يكن يعرف معاني ما أنزل الله عليه من آيات الصفات، ولا جبريل يعرف معاني [تلك] الآيات، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك.

وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله، مع أن الرسول تكلم بهذا ابتداءً، فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه.

وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧]، فإنه وقف كثير من السلف على قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾ وهو وقف صحيح [لكن] لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره، وبين التأويل الذي انفرد الله تعالى بعمله، وظنوا أن التأويل [المذكور] في كلام الله تعالى هو التأويل المذكور في كلام المتأخرين، وغلطوا في ذلك.

من الافتراءات التي أُلصقت بمذهب السلف أهل السنة والجماعة، أنهم يؤمنون بألفاظٍ مجرَّدة دون التطرق للمعاني، وهو ما يسميه من ينسبه إليهم مذهب التفويض، واستدلوا لذلك بقول أكثر من واحد من أئمة السلف في نصوص الصفات: «أمروها كما جاءت»، وهم إنما نفوا العلم بالكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصّفة.

وهذا الزعم فيه تجهيل للسلف، واتهام لهم بعدم العلم، وحقيقة الأمر أن السلف كانوا أعظم الناس فهما وتدبراً للنصوص الشرعية، وبخاصة ما يتعلق منها بمعرفة الله ﷿، يؤمنون بألفاظها، ويعرفون معانيها، لكن لم يكونوا يتكلفون ما لم يحيطوا به علماً ولا فهما، ولا يخوضون في كيفية ذات الله ﷿ وصفاته.

فالسلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيتها فيفوضون علمها إلى الله.

وهم برآء مما اتهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون، بألفاظ نصوص الأسماء والصفات، ويفوضون معانيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>