ومن شبه أهل الكلام أنهم لو قيل لهم: لماذا تركتم كلام النبي ﷺ وتركتم الوحيَ وأخذتم بضدهما فهذه النصوص جاءت بإثبات هذا وأنتم تنفونه، لزعموا وادَّعوا وقالوا: إن النبي ﷺ ترك مثل هذه القضايا امتحاناً لعقول الناس.
فمنهج الكلام يقوم على الطعن في هذين الأصلين؛ ألا وهما التوحيد والاتباع، ولذلك ترى الخلل واضحاً عندهم في مثل هذه المسائل، ولذلك لا ترى مجتمعاً من مجتمعات أهل الكلام إلا وقد ضعف فيه التوحيد والاتباع، وتجد بدلاً من ذلك الشرك والبدع، حتى أصبحت السُنَّة بدعة والبدعة سنة، ولو جاءهم شخص بسنة لرفضوه ولحاربوه.
وليس هذا أمر مبني على الجهل وحده، بل هو عقيدة مترسخة في نفوسهم، ولو كان الجهل وحده لكان الأمر يكتفي فيه أن تُتلَى عليهم الآيات والنصوص ويسمعون كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ فيعودوا إلى رشدهم، ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير، ولا يقتصر على الجهل وحده.
فهؤلاء يقفون من الوحي موقفا تختلف درجته بحسب درجة ذلك المنهج الفلسفي أو الكلامي، فعند الفلاسفة بنوعيهم؛ أهل الفلسفة البحتة أو الفلسفة الباطنية يقولون:«إن الرسول ليس إلا مجرد شخصٍ عبقري استطاع أن يخيِّل للناس ويوهم الناس بأن هناك وجوداً لله حقيقة وأن هناك جنَّةً حقيقة وأن هناك ناراً حقيقة وأن هناك شرعاً حقيقة، وكل هذا لا أصل له ولا وجود له ولا حقيقة»، فبالتالي ينظرون إلى الرسول بشخصه المصْلِح.
فمثلاً: قد يكتب البعض «عظماء العالم»، ويجعل في كتابه مائة عظيم، ويجعل محمداً ﷺ في أول القائمة، فالبعض يفرح بهذا فيقول: جعل النبي ﷺ في رأس القائمة.
لكن افهم واعلم أن النبي الذي تنظر إليه ليس النبي الذي ينظر إليه هذا، النظرة غير النظرة، فهو ينظر إلى شخص النبي ﷺ بأنه عبقري وذكي، استطاع أن يوهم الناس بمثل هذه الأمور، فعند أهل الفلسفة أن هذا نابع من كونه وهم وخيال وكذب لأجل المصلحة.
لكن أهل الكلام دون ذلك؛ يقولون:«نعم هذا الأمر على خلاف الحقيقة، ولكن النبي ﷺ ترك الحقيقة امتحاناً لعقول الناس»، بهذا يبرِّرون.