المعنى مع اتفاقهم في كلا الحالين على نفي وجود صفة الاستواء لله على الحقيقة، وكما يقول قائلهم
وكل نص أوهم التشبيها أَوِّلْهُ أو فَوِّضْه ورم تنزيها
«وكل نص أوهم التشبيها»(١) أي كل نصٍ لا تشهد له عقولكم وعلى حد زعمهم يطلقون عليه عبارة «أوهم التشبيها»، فأنتم بين خيارين؛ «أَوِّلْهُ» أي غيِّر وبدِّل معناه، يقولوا:«استوى» بمعنى: استولى، ويقولون:«اليد» بمعنى: النعمة والقدرة … وهكذا.
أو «فَوِّضْه» أي توقف في تحديد المعنى المراد، والنتيجة بعد ذلك فإنك تقصد بذلك تنزيه الله ﷾ عن هذا إثبات هذه الصفة له.
فإذاً هم بين مسلكين في هذا، إما مسلك التأويل وإما مسلك التفويض،
أي ارجعوا عند التنازع لعقولكم، ولاشك أن هذا هدمٌ للأصل الثاني من أصلي هذا الدين وهو الاتباع، من الرجوع إلى الوحي الذي جاء به النبي ﷺ وهو الكتاب والسنة.
فحقيقة مذهب القوم، نبذ الكتاب والسنة والإعراض عن كلام الله تعالى ورسوله ﷺ، فضلاً عن كلام السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، والرجوع بالمسألة إلى شُبَهٍ وأوهام عقلية لا أصل لها ولا أساس لها في الدين، فلذلك يقول:"فإنه الحق الذي تعبدتكم به"، يعني كأن هؤلاء شرعوا ديناً جديداً.
ولذلك هذه المسألة من أهم مسائل الاعتقاد، وتبين عمق وحقيقة الخلاف بين أهل السُنَّة وبين غيرهم، ولا بظن ظان أن الخلاف بين أهل السُنَّة وبين هؤلاء خلافٌ سطحي أو خلافٌ فرعي، لا، إنما هو في أصليّ الدين، ولذلك تجد برهان هذا الخلاف واضحاً في مسألة التوحيد ومسألة الاتباع.
ولذلك خذ هذا مقياساً لنفسك ومقياساً على الآخرين، إذا أردت أن تقيِّم نفسك وتقيِّم الآخرين، فانظر إلى موقفك من أصليّ الدين؛ من التوحيد ومن الاتباع، فعلى هذا احكم على نفسك واحكم على غيرك.