للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[القصص/ ٨٨] وفي هذه الآية إخبار من الله تعالى بأن هذا الكون بكل ما فيه آيل إلى الزوال، أي أن للكون بداية ونهاية، وأن الله الذي خلقه هو الذي ينهيه بمشيئته وقدرته .

وإذا نظرنا من جانب آخر ألفينا جماهير الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين يقولون بقدم العالم، وأنه لم يزل موجوداً مع الله تعالى، مستدلين بمقدمات عقلية وضعوها وقرروها، فقالوا: لا يتصور أن يصدر حادث من قديم بغير واسطة أصلاً. ويقولون كذلك بأبدية العالم، قال الغزالي: «فإن العالم عندهم كما أنه أزلي لا بداية لوجوده، فهو أبدي لا نهاية لآخره، ولا يتصور فساده، ولا فناؤه، بل لم يزل كذلك، ولا يزال أيضاً كذلك.

فهنا ندعو أصحاب القانون العقلي للتأمل والإجابة فنقول لهم: هذه نصوص القرآن الكريم، وهذه مقررات عقول هؤلاء والفحول الكبار من العقلانيين الذين لا يشك في سعة عقولهم إلا المخبول متعارضة متناقضة غاية التناقض، فما موقفكم منها، فإن طبقتم قانونكم القاضي بتقديم العقل على النقل انكشف أمركم ولحقتم بهؤلاء الدهريين، وخرجتم من دائرة الإسلام، وإن قدمتم النقل على العقل رجعتم عن قانونكم واعترفتم بفشله وتهافته، وإن قلتم إن عقولكم تخالف عقول هؤلاء الفلاسفة وتتفق هنا مع ما تقرر في السمع، كان كذلك اعترافاً منكم بعدم انضباط العقول كما قررناه في الوجه السابع، وليس لكم وراء هذه الخيارات الثلاثة إلا السكوت الذي يلجأ إليه كل عاجز جاهل مفحم: ﴿فقطع دابر القوم الذي ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ [الأنعام/ ٤٥].

وكما أسلفنا، ليس المقياس في الثبوت أو عدم الثبوت الذي هو ميزان المحدثين، وإلا لو كان الأمر كذلك فعلى الرأس والعين، لو كان الخبر ضعيفاً غير صحيح فلا شك أنه مع ذلك لا يثبت ولا يمكن أن نعتمد إلا ما ثبت عن النبي وثبتت صحته.

لكن المقياس عندهم ليس هذا، فكما ذكرنا لو ورد هذا الخبر من أخبار الآحاد في البخاري ومسلم فإنه لا حجة فيه في باب الاعتقاد عندهم، فليس الميزان ميزان أهل الحديث، ولكن الميزان أن كل خبر آحاد هو عند هؤلاء باطل مردود ولا يمكن أن تقوم به حجة.

وهذا ما يقوله الغزالي في المستصفى، فهو يقول هذا، يقول: «وظواهر أحاديث التشبيه لا يعتد بها»، فأحاديث التشبيه، أي أحاديث الصفات، كلام المصطفى

<<  <  ج: ص:  >  >>