للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فعلى المسلم الناصح لنفسه أن يبتعد عن الكلام والخوض في كل ما لا يعود عليه بالنفع في آخرته وأن يجتهد في تصحيح عقيدته بأن لا يأخذها إلا من الكتاب العزيز والسنة المطهرة على فهم السلف الصالح، وأن يسلك منهجهم في العبادة والسلوك، في كل صغيرة وكبيرة من تصرفاته، وأي مخالفة لهذا الخط المستقيم فإن مصير صاحبها إلى الندم، والشاهد ما ذكرنا، والله تعالى المستعان. اه

الوجه الثالث عشر: إن الذين ركبوا عقولهم فزعموا أن العقل يجب تقديمه على النقل عند التعارض حتى في باب الأسماء والصفات إنما أتوا من جهلهم وعدم تفريقهم بين ما يحيله العقل وما لا يدركه، لأن للعقل مجاله الذي إذا اشتغل في إطاره أفاد وأنتج الخير لصاحبه، ومتى وقع الخروج به عند ذلك الإطار أخفق وكان وبالاً على صاحبه، قال العلامة ابن خلدون: «واتبعْ ما أمرك الشارع به في اعتقادك وعملك، فهو أحرص على سعادتك، وأعلم بما ينفعك، لأنه من طور فوق إدراكك، ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك، وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح، وأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد، والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك رجلٌ رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن للعقل حد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته، فإنه ذرة من ذرات الوجود (١)».

الوجه الرابع عشر: قال تعالى: ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام … ﴾ [الفرقان/ ٥٩] وقال تعالى: ﴿ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجلٍ مسمى﴾ [الروم/ ٨] وقال تعالى: ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم أن خلق السموات والأرض … ﴾ [التوبة/ ٣٦].

في هذه الآيات وأمثالها بيان واضح لا خفاء فيه أن هذا الكون _ بسماواته وأراضيه وكل ما فيه من أجرام سماوية أو أرضية _ مخلوق خلقه الله تعالى في الوقت الذي شاءه أن يخلقه فيه، وقال تعالى: ﴿لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه﴾


(١) انظر «الصواعق» ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>