للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النصوص؛ إذ لا يتعارض مع النصوص الثابتة الصريحة، فالتعارض نتيجة خللٍ إما في العقل أو في الرواية.

الوجه الثاني عشر: أن أصحاب هذا المنهج العقلاني هم أبعد الناس عن معرفة الحق في التوحيد والصفات والقدر، وأكثر الناس شكًّا وحيرةً واضطرابًا، قال ابن القيِّم: «وحدثني شيخ الإسلام قال: حكى لي بعض الأذكياء وكان قد قرأ على أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة، وهو ابن واصل الحموي أنه قال له الشيخ: أضطجع على فراشي، وأضع الملحفة على وجهي وأقابل بين أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجَّح عندي شيء، ولهذا ذهب طائفة من أهل الكلام إلى القول بتكافؤ الأدلة، ومعناه: أنها قد تكافأت وتعارضت فلم يعرف الحق من الباطل، وصدقوا وكذبوا» اه.

يعني صدقوا في قولهم: أنهم لم يعرفوا الحق، وكذبوا في قولهم بتكافؤ الأدلة، ويؤكد هذا اعترافات كبار المتكلمين، وتوبة بعضهم وتحسرهم من الأعمار التي ضاعت في طلب الكلام، ومن ذلك: قول الغزالي: «فأما الكلام المحرر على رسم المتكلمين، فإنه يشعر نفوس المستمعين بأن فيه صنعة جدلٍ يعجز عنه العامي، لا لكونه حقًّا في نفسه، وربما يكون ذلك سبباً لرسوخ العناد في قلبه، ولذلك لا ترى مجلس مناظرة للمتكلمين، ولا للفقهاء ينكشف عن واحد انتقل من الاعتزال _ أو من بدعة _ إلى غيره ومن مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة ولا على العكس … بل الإيمان المستفاد من الدليل الكلامي ضعيف جدًّا مشرف على الزوال بكل شبهة» (١) إه.

هذا اعتراف صريح من أحد فحول الكلام بأن المنهج العقلي لا يؤدي إلى معرفة الله المعرفة الحقّة، رغم أن الغزالي اعترف بأن بضاعته في الحديث مزجاة أي قليلة (١)

قال شيخ الإسلام: «فإن تلك العقيدة الفطرية التي للعجائز خير من هذه الأباطيل التي هي من شعب الكفر والنفاق، وهم يجعلونها من باب التحقيق والتدقيق» (٢).

«ومات الغزالي وهو مشتغل بالبخاري ومسلم، والمنطق الذي كان يقول فيه ما يقول ما حصل له مقصوده، ولا أزال عنه ما كان فيه من الشك والحيرة».


(١) انظر "قانون التأويل" للغزالي ص ٢٤٦.
(٢) «الرد على المنطقيين» ص ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>