للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يستفيدون من الرسول شيئاً من الأمور الخبرية المتعلقة بصفات الله وأفعاله، بل وباليوم الآخر عند بعضهم لاعتقادهم أن هذه الأخبار على ثلاثة أقسام: نوع يجب رده وتكذيبه، ونوع يجب تأويله وإخراجه عن حقيقته، ونوع يقر (١)».

وعلى هذا يكون لازم قولهم بوجوب رجوع كل عاقل إلى ما يراه عقله صحيحاً أن لا تكون هناك طاعة لله ولرسوله بل للعقول، فتكون وظيفة الرسل والكتب ضرباً من العبث.

الوجه العاشر: أنه لا إيمان إلا بالتسليم للوحي: قال تعالى: ﴿فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلِّموا تسليماً﴾ [النساء/ ٦٥] فأقسم أنه لا إيمان إلا بتحكيم رسوله في جميع ما شجر بيننا، وتتسع صدورنا بحكمة ولا يبقى فيها حرج، ونسلِّم لحكمه تسليماً مطلقاً، فلا نعارضه برأيٍ ولا عقلٍ ولا هوىً ولا غيره، وقال تعالى: ﴿وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى الله﴾ [الشورى/ ١٠]، قال ابن القيِّم: «وهذا نصٌّ صريح في أن حكم جميع ما تنازعنا فيه مردودٌ إلى الله وحده، وهو الحاكم فيه على لسان رسوله ، فلو قُدِّم حكم العقل على حكمه لم يكن هو الحاكم بوحيه وكتابه».

وعلى هذا يلزم العقلانيِّين الذين يرون تقديم العقل على النقل أن يسلِّموا بالقوانين الوضعيَّة التي وضعها البشر بعقولهم، وهي لا ريب تعارض الشريعة الإسلامية في الغالب فإن فعلوا ذلك لحقوا بالعلمانيِّين الفسقة، وإلا تناقضوا أقبح التناقض وخالفوا قوانينهم، معترفين بفعلهم ببطلانه وتهافته.

الوجه الحادي عشر: إن كلَّ نصٍّ خالف العقل الصريح فهو مكذوب، فلم يجئ في القرآن ولا في السنة حرف واحد يخالف العقل الصريح، ويمكن التمثيل للنصوص المخالفة للعقل الصريح بحديث: «إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق خيلاً فأجراها فعرقت فخلق نفسه من ذلك العرق وهذا حديث موضوع باطل سنداً ومتناً والمتهم بوضعه محمد بن شجاع الثلجي، قال ابن الجوزي: «هذا حديث لا يشك في وضعه، وما وضع هذا مسلم، وإنه لمن أركِّ الموضوعات وأبردها، إذ هو مستحيل لأن الخالق لا يخلق نفسه» ثم قال: «فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع» (٢) إه.

وإذا كان الأمر كذلك فليس هناك مجال للقول بتقديم العقل عند تعارضه مع


(١) (محصل أفكار المتقدمين) ص ١٢٤.
(٢) الموضوعات (١/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>