وبهذا يتبيّن خطورة الاعتماد على العقل المجرد في إثبات الصفات، حيث يفتح باباً للإلزامات واسعاً. بينما الواقف مع النص لا يمكن إلزامه بشيء من ذلك ولله الحمد والمنَّة.
الوجه الثامن: إن منهج تقديم العقل على الوحي مخالف لمنهج سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في كل زمانٍ ومكان، بل هو مخالف لمناهج جميع الفرق الإسلامية إلا فرقة المتكلمين، ومنهجٌ هذا سبيله أولى بالسقوط والبطلان، يقول شيخ الإسلام:«فأما معارضة القرآن بمعقولٍ أو قياس فهذا لم يكن يستحله أحدٌ من السلف، وإنما ابتدع ذلك لما ظهرت الجهمية والمعتزلة، ونحوهم ممن بنوا أصول دينهم على ما سموه معقولاً، وردُّوا القرآن إليه، وقالوا: إذا تعارض العقل والشرع إما أن يفوض أو يتأول فهؤلاء من أعظم المجادلين في آيات الله بغير سلطانٍ أتاهم». ويقول ابن القيِّم:«وأنت إذا تأملت أصول الفرق الإسلامية كلها وجدَّتها متفقة على تقديم الوحي على العقل، ولم يؤسِّسوا مقالاتهم على ما أسَّسها عليه هؤلاء _ يعني المتكلمين _ من تقديم آرائهم وعقولهم على نصوص الوحي، فإن هذا أساس طريقة أعداء الرسل فهم متفقون على هذا الأصل».
ويقول ابن أبي العز:«ولا شكَّ أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا عن سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن عقلهم دلَّهم عليه». ولا ريب أن عقيدة لم يأخذها صاحبها لا من الكتاب ولا من السنة، ولا من فهم أئمة الصحابة والتابعين لا ريب أنها عقيدة إبليسيَّة مستقاة من منهج إبليسيٍّ، ليست بأفضل من عقيدة أبي جهل وأضرابه كما قال الحافظ الذهبي:«وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول دعنا من الكتاب وأحاديث الآحاد وهات العقل فاعلم أنه أبو جهل»(١).
الوجه التاسع: إن من نتائج هذا القانون أن لا يُستفاد من الرسول شيئًا؛ لأن اعتقاد بطلان ظاهر خبر من أخبار الرسول ﷺ بلا قرينة واضحة شرعية يوجب أن لا يوثق بشيءٍ من أخباره، «ولهذا آل الأمر بمن سلك هذه الطريق إلى أنهم لا