للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الوجه السابع: أن الحكم للعقل بالتقديم المطلق ممتنع متناقض، لأن كون الشيء معلوماً بالعقل أو غير معلوم بالعقل ليس صفة لازمة لشيء من الأشياء، بل هو من الأمور النسبية، فإن زيداً قد يعلم بعقله ما لا يعلمه عمرو، كما أن الإنسان قد يعقل شيئاً ما في وقت، ويجهله في وقت آخر، فأكثر العقلاء _ مثلاً _ يعلمون أن كون العالم عالماً بلا علم وحيّاً بلا حياة، ومريداً بلا إرادة، وسميعاً بصيراً بلا سمع ولا بصر، محال بضرورة العقل، بينما يقول بعض المتكلمين: إن ذلك هو الواجب في حق الله تعالى مستدلين على ذلك بالعقل، وبهذا تعلم أن الرد إلى العقول عند النزاع لا يزيد المختلفين إلا اختلافاً واضطراباً، وشكّاً وارتياباً وعلى هذا لا يمكن الحكم بين الناس في موارد النِّزاع والاختلاف إلا بكتاب منزل من السماء يرجع الجميع إلى حكمه، وإلا فكل واحد من أرباب المعقولات يقول:

عقلي بالثقة به أولى من عقل من ينازعني.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فلو قيل بتقديم العقل على الشرع وليست العقول شيئاً واحداً بيِّناً بنفسه، ولا عليه دليل معلوم للناس، بل فيها هذا الاختلاف والاضطراب، لوجب أن يحال الناس على شيء لا سبيل إلى ثبوته ومعرفته، ولا اتفاق للناس عليه، وأما الشرع فهو في نفسه قول صادق، وهذه صفة لازمة لا تختلف باختلاف أحوال الناس، والعلم بذلك ممكن ورد الناس إليه ممكن، ولهذا جاء التنزيل برد الناس عند التنازع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً﴾ [سور النساء: ٥٩]، فأمر الله تعالى المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول، وهذا يوجب تقديم السمع وهذا هو الواجب، إذ لو ردوا إلى غير ذلك من عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم وبراهينهم لم يزدهم هذا الرد إلا اختلافاً واضطراباً وشكّاً وارتياباً» اه.

وممّا يوكِّد عدم انضباط نتائج العقول خاصة في البحوث المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته ذلك التعارض العجيب الذي نجده عند أهل المدرسة الواحدة من مدارس الكلام، انظر إلى قول الرازي _ وهو ينتقض الغزالي _: «من الأصحاب من قال: السميع البصير أكمل ممن ليس بسميع، والواحد منا سميع بصير، فلو لم يكن الله تعالى كذلك لكان الواحد منا أكمل من الله تعالى، وهو محال، وهذا ضعيف، لأن لقائل أن يقول: الماشي أكمل ممن لا يمشي، والحسن الوجه أكمل من القبيح، والواحد منا موصوف به، فلو لم يكن الله تعالى موصوفاً به لزم أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>