للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يصح أن يكون معارضاً للنقل، لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة الدَّليل «.

الوجه الخامس: أن العقل مع الوحي كما العامِّي مع المفتي، بل ودون ذلك بمراتب كثيرة، فإن المقلد يمكن أن يصير عالماً، ولا يمكن للمفتي أن يصير نبيّا ورسولاً يوحى إليه.

فلو دلَّ مقلد مقلداً آخر على مفتٍ عالم فأفتاه، ثم اختلف المفتي والدّال فإن الواجب المحتم على المستفتي قبول قول المفتي دون المقلِّد الذي دلَّ عليه وعرَّفه به، فلو قال له الدالّ: الصواب معي دون المفتي؛ لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ، فإذا قدَّمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفتٍ، فيلزم القدح في فرعه، لقال له المستفتي: أنت لمّا شهدت بأنه مفتٍ، شهدت بوجوب تقليده دون تقليدك وموافقتي لك في هذا العالم المعين _ وهو كونه مفتياً _ لا يستلزم موافقتك في كل مسألة، لأن إصابتك الحق، في إدراك أنه مفتٍ لا يستلزم إصابتك الحق في كل شيء، بل يجب عليك تقليده كما يجب عليّ بشهادتك أنت، هذا مع العلم بأن المفتي يجوز عليه الخطأ، والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله ولا يجوز عليه الخطأ.

وهذا من أحسن الأمثلة المضروبة للنقل مع العقل، ويقضي على أصلهم الذي يقرر أن العقل أصل، والشرع فرع فيجب تقديم العقل.

الوجه السادس: أن تقديم العقل على الشرع يتضمَّن القدح في العقل والشرع لأن العقل قد شهد للوحي بأنه أعلم منه، وأن نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي أقل من خردلة إذا قورنت بجبل، فلو قدم حكم العقل عليه لكان ذلك قدحاً في شهادة العقل، وإذا بطلت شهادته بطل قبول قوله، قال العلامة ابن الوزير اليماني: «فإن قيل: تقديم العقل على السمع أولى عند التعارض، لأن السمع علم بالعقل فهو أصل، ولو بطل العقل بطل السمع والعقل معاً، وهذه من قواعد المتكلمين، قلنا: قد اعترضهم في ذلك المحققون بأن العلوم يستحيل تعارضها في العقل والسمع فتعارضها تقدير محال، فإنه لو بطل السمع أيضاً بعد أن دلَّ العقل على صحته لبطلا أيضاً معاً، لأن العقل قد كان حكم بصحة السمع وأنه لا يبطل، فحين بطل السمع علمنا ببطلانه بطلان الأحكام العقلية» (١).


(١) "إيثار الحق" ص ١١٧ إلى ١١٩ وأشار إلى أن ممن ذكر ذلك ابن تيمية وابن دقيق العيد والزركشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>