للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فهو عِلْم يُدَان به»؛ بمعنى: أننا نعتمد في هذا الباب على ما جاء عن النبي أو ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما أُحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم، فهو بدعة وضلالة، ولا شك أن المقصود بهذا: أقوال الجهمية والمعتزلة ومَن جاء بعدهم.

وقال في «شرح الموطأ» لما تكلم على حديث النزول ذكر كثيرًا من مسائل الاعتقاد المتعلقة بباب الأسماء والصفات، وهو كلام نفيس أُوصي بالرجوع إليه.

وعمومًا فعلماء المالكية عرف عنهم أنهم كانوا من أكثر الناس تمسكًا بالسنة، ولم يُؤثر عنهم التأثر بالبدع إلا بعد دخول ابن تُومرت الذي قتل ما قتل من علماء المغرب الذين كانوا متمسكين بالسنة، وقتل أتباعه كثيرًا من العلماء المتمسكين بعقيدة أهل السنة والجماعة، وبعد ذلك انتشرت عقائد المعتزلة والجهمية والأشاعرة.

يقول هنا: لما ذكر حديث النزول، قال: هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، وهو منقول من طرق سوى هذه، من أخبار العدول عن النبي ، وفيه دليل على أن الله جل وعلا في السماء على العرش استوى مِنْ فوق سبع سماوات، كما قالت أهل السنة والجماعة، وهو مِنْ حجتهم على المعتزلة في قولهم: إن الله تعالى في كل مكان بذاته المقدسة.

فهذا زعم المعتزلة، وهذا الدليل بما يُرَدُّ به عليهم، وذكر بعض الآيات التي جاءت في إثبات العلو، إلى أن قال: «وهذا أشهر وأعرف عند العامة والخاصة من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يُوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مُسلم».

وهو الاضطرار هو دليل الفطرة، وهو الذي احتج به الهمداني على الجويني؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وهذا موضع الحكاية المشهورة عن الشيخ أبي جعفر الهمداني مع الجويني (من رءوس الأشاعرة)؛ لما أخذ يقول على المنبر: «كان الله ولا عرش». فقال الهمداني: «يا أستاذ، دَعنا من ذِكر العرش-يعني: لأن ذلك إنما جاء في السمع-أخبرنا عن هذه الضرورة التي نَجدها في قلوبنا؛ فإنَّه ما قال أحد قط-يا الله-إلا وجد من قلبه ضرورة تَطلب العلو؛ لا تلتفت يمنة ولا يسرة؛ فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟ قال: فَلَطم الجويني على رأسه، وقال: «حَيَّرني الهمداني، حيرني الهمداني»، ونزل» (١).


(١) «مجموع الفتاوى» (٤/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>