وقالت طائفة أخرى: هذا السؤال والطلب شرع ليتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وقد أجابه الله إلى ذلك، كما ثبت عنه في "الصحيح": "ألا وإن صاحبكم خليل الرحمن" يعني نفسه.
وهذا الجواب من جنس ما قبله، فإن مضمونه أنه بعد أن اتخذه الله خليلاً لا تُشرع الصلاة عليه على هذا الوجه، وهذا من أبطل الباطل.
وقالت طائفة أخرى: إنما هذا التشبيه راجع إلى المصلي فيما يحصل له من ثواب الصلاة عليه، فطلب من ربّه ثواباً، وهو أن يصلّي عليه كما صلى على آل إبراهيم، لا بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن المطلوب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة أجلّ وأعظم مما هو حاصل لغيره من العالمين.
وهذا من جنس ما قبله وأفسد، فإن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلي، بل فيما يحصل للمصلَّى عليه، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن قال: إن المعنى: اللَّهم أعطني من ثواب صلاتي عليه كما صليت على آل إبراهيم، فقد حرّف الكلم، وأبطل كلامه.
قال ابن القيم رحمه الله: ولولا أن هذه الوجوه وأمثالها قد ذَكَرها بعض الشرّاح، وسوّدوا بها الطّروس، وأوهموا الناس أن فيها تحقيقاً، لكان الإضراب عنها صفحاً أولى من ذكرها، فإن العالم يستحيي من التكلّم على هذا، والاشتغال بردّه.
وقالت طائفة أخرى: التشبيه عائد إلى الآل فقط، وتمّ الكلام عند قوله:"اللَّهمّ على محمد"، ثم قال:"وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم"، فالصلاة المطلوبة لآل محمد هي المشبّهة بالصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، وهذا نقله العمراني عن الشافعيّ رحمه الله، وهو باطل عليه قطعاً، فإن الشافعيّ أجلّ من أن يقول مثل هذا، ولا يليق هذا بعلمه وفصاحته، فإن هذا في غاية الركاكة والضعف.
وقد ورد في كثير من أحاديث الباب "اللَّهم صلّ على محمد كما صلّيت على آل إبراهيم".
وأيضاً فإنه لا يصحّ من جهة العربية، فإن العامل إذا ذكر معموله، وعطف عليه غيره، ثمّ قُيّد بظرف، أو جارّ ومجرور، أو مصدر، أو صفة مصدر كان ذلك راجعاً إلى المعمول، وما عطف عليه، هذا الذي لا تحتمل العربية غيره، فإذا قلت: جاءني زيد وعمرو يوم الجمعة، كان الظرف مقيّداً لمجيئهما، لا لمجيء عمرو وحده، وكذلك إذا قلت: ضربت زيداً وعمراً ضرباً مؤلماً، أو أمام الأمير، أو سلَّمَ عليّ زيدٌ وعمرٌو يوم الجمعة ونحوه.