الفُرقة المنافية لمقصود النكاح (فَخَطَبَهَا عَليٌّ، فَزَوّجَهَا مِنْهُ) قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ما معناه: أي خطبها عقب ذلك بلا مهلة، كما تدلّ عليه الفاء، فعُلم أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لاحَظَ الصغر بالنظر إليهما، وما بقي ذاك بالنظر إلى عليّ - رضي اللَّه عنه -، فزوّجها منه، ففيه أن الموافقة في السنّ، أو المقاربة مَرْعيّةٌ؛ لكونها أقرب إلى المؤالفة. نعم قد يُترَكُ ذاك لما هو أعلى منه، كما في تزويج عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -. واللَّه تعالى أعلم انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد أشار السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- في كلامه المذكور إلى جواب استشكال وارد على حديث الباب، وهو أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج عائشة، وهي صغيرة، فكيف قال لأبي بكر وعمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "إنها صغيرة"؟.
وحاصل الجواب أن الموافقة في السنن، أو المقاربة فيه إنما يُعتبر فيما إذا لم يكن للزوج فضل يجبُرُ ذلك، وإلا فلا بأس بالتفاوت فيه؛ ولذلك تزوّج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وهي بنت ست سنين، وهو فوق خمسين سنة؛ لما ذكرنا.
[فإن قيل]: قد كان لأبي بكر وعمر فضل يؤدّي الغرض؛ فلماذا لم يُعتبر؟.
[قلنا]: نعم لا يُنكر فضلهما، وشرفهما - رضي اللَّه تعالى عنهما -، إلا أنّ لعليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - زيادةً فضل عليهما بالنسبة لفاطمة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وهو كونه مقاربًا لها في السنّ، وهو الذي يحصل به الغرض من النكاح، وهو دوام الألفة والمحبّة بين الزوجين، كما ذكرنا، فلذا قدمه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عليهما؛ لذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث بُريدة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا-٧/ ٣٢٢٢ - وفي "الكبرى" ٧/ ٥٣٢٩. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
٨ - (تَزَوُّجُ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ)
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: غرض المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- بهذا الباب الإشارة إلى أن المعتبر في النكاح الكفاءة في الدين.