للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والمقصود أن المتقين هم أولياء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأولياؤه هم أحبّ إليه من آله، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: ٤].

وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: "عائشة" -رضي الله عنها- قيل: من الرجال؟، قال: "أبوها" -رضي الله عنه-. متفق عليه.

وذلك أن المتقين هم أولياء الله، كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: ٦٢ - ٦٣] وأولياء الله سبحانه وتعالى أولياء لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وأما من زعم أنّ "الآل" هم الأتباع، فيقال: لا ريب أن الأتباع يُطلق عليهم لفظ "الآل" في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ "الآل" يُراد به الأتباع، لما ذكرنا من النصوص. والله تعالى أعلم.

انتهى كلام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله تعالى ببعض تصرف، واختصار (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أجاد الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى في هذا البحث، وحقق كل قول بأدلته، وناقشها، فتلخّص من بحثه ترجيح تفسير الآل هنا بأنهم الذين تحرم عليهم الصدقة؛ لقوة أدلته، ووضوحها، وهو ترجيح واضح فيما أرى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: في ذكر المسألة المشهورة بين الناس، وبيان ما فيها:

وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من إبراهيم، فكيف طُلب له من الصلاة ما لإبراهيم؟ مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين؟

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ونحن نذكر ما قاله الناس في هذا، وما فيه من صحيح وفاسد.

فقالت طائفة: هذه الصلاة علّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّته قبل أن يعرف أنه سيد ولد آدم.

ولو سكت قائل هذا لكان أولى به، وخيراً له، فإن هذه هي الصلاة التي علّمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إيّاها لَمّا سألوه عن تفسير: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦]، فعلّمهم هذه الصلاة، وجعلها مشروعة في صلوات الأمة إلى يوم القيامة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يزل أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده، وبعد أن علم بذلك لم يغير نظم الصلاة التي علّمها أمته، ولا أبدلها بغيرها،


(١) راجع "جلاء الأفهام" ص ١٥٨ - ١٧٣.