الظاهر، والحديث الذي ذكره عند أحمد، لا ينافيه؛ لأنه ظاهر فِي النبيذ، فيحمل عَلَى الأشياء المنصوص عليها، وأما خلط نحو اللبن والعسل، فلا يشمله، فتبصّر. والله تعالى أعلم.
وَقَالَ القرطبيّ: النهي عن الخليطين ظاهر فِي التحريم، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار، وعن مالك: يكره فقط، وشذَّ منْ قَالَ: لا بأس به لأن كلا منهما يحل منفردا فلا يكره مجتمعا، قَالَ: وهذه مخالفة للنص، وقياس مع وجود الفارق، فهو فاسد منْ وجهين، ثم هو منتقض بجواز كل واحدة منْ الاختين منفردة، وتحريمهما مجتمعين، قَالَ: وأعجب منْ ذلك تأويل منْ قَالَ منهم: إن النهي إنما هو منْ باب السرف، قَالَ: وهذا تبديل، لا تأويل، ويشهد ببطلانه الأحاديث الصحيحة، قَالَ: وتسمية الشراب إداما قول منْ ذَهِلَ عن الشرع واللغة والصرف، قَالَ: والذي يُفهَم منْ الأحاديث التعليل بخوف إسراع الشدة بالخلط، وعلى هَذَا يُقتصر فِي النهي عن الخلط عَلَى ما يؤثر فيه الإسراع، قَالَ: وأفرط بعض أصحابنا، فمنع الخلط وإن لم توجد العلة المذكورة، ويلزمه أن يمنع منْ خلط العسل واللبن، والخل والعسل. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم لك أن ابن العربي حكاه عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وَقَالَ: إنه حمل النهي عن الخليطين منْ الأشربة عَلَى عمومه، وضعّفه، وهو أحقّ بالتضعيف.
والحاصل أن الخلط الوارد فِي الأحاديث الصحيحة، كما سيأتي فِي الأبواب التي سيوردها النسائيّ محرّم، وأن شرب الخليطين حرام، وأما ما عدا ذلك منْ الأصناف فيجوز خلطه؛ كاللبن والعسل، ونحو ذلك؛ لعدم النهي عنه، ولفقدان العلّة التي منْ أجلها نهى الشارع عن الخليطين، فتبصّر، ولا تتحيّر، والله الهادي إلى سواء السبيل. وهو سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطْعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
٥ - (خَلِيطُ الْبَلَحِ وَالزَّهْوِ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: تقدّم أن "البلَحَ" -بفتحتين-: هو أول ما يُرطب منْ البسر، واحده بَلَحةٌ. وأما "الزهو" -فبفتح الزاي، وضمّها لغتان مشهورتان، قَالَ