(ومنها): أنه استدُل بقوله: "يشهدون، ولا يُستشهدون" على أن من سمع رجلاً يقول: لفلان عندي كذا، فلا يسوغ له أن يشهد عليه بذلك، إلا أن استشهده، وهذا بخلاف من رأى رجلاً يقتل رجلاً، أو يغصبه ماله، فإنه يجوز له أن يشهد بذلك، وإن لم يَستشهده الجاني (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ظاهر ترجمة المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- يدلّ على أنه يرى أن النذر إنما يكون في الطاعة، وأما المباح، فلا ينعقد نذره، وقد تقدّم الخلاف بين العلماء فيه، وأن الراجح عدم انعقاده، وحديث الباب دليل واضح في ذلك، ويدلّ عليه أيضًا حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، قال: بينا النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا، أبو إسرائيل، نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظلّ، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مُرْهُ، فليتكلم، وليستظل، وليقعد، ولْيُتِمّ صومه".
فقد أمره - صلى اللَّه عليه وسلم - بالطاعة، وهو إتمام صومه، وأسقط عنه المباح، وهو عدم الكلام، والاستظلال، والقعود، فدلّ على أن النذر لا ينعقد في المباح، وأصرح منه ما أخرجه أحمد في "مسنده"، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أدرك رجلين، وهما مقترنان يمشيان إلى البيت، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما بالُ القران"، قالا: يا رسول اللَّه، نذرنا أن نمشي إلى البيت، مقترنين، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ليس هذا نذرا، فقطع قرانهما"، وفي رواية:"إنما النذر ما ابتُغي به وجه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-".
وهذا، وإن كان في سنده ابن أبي الزناد، وهو متكلّم فيه، إلا أنه يشهد له حديث الباب، وحديث ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - المذكور.
وبهذا قال مالك، والشافعيّ -رحمهما اللَّه تعالى- حيث قالا: لا ينعقد نذر المباح، وهو الأصحّ؛ للأدلّة المذكورة، وخالف في ذلك أحمد بن حنبل -رحمه اللَّه تعالى-،