للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فإن قلت: هذا مُتَّجِه إذا لم يُعَد العامل، فإما إذا أُعيد العامل حَسُن ذلك، تقول: سَلِّمْ على زيد، وعلى عمرو إذا لقيته لم يمتنع أن يختصّ ذلك بعمرو، وهنا قد أعيد العامل في قوله: "وعلى آل محمد".

قيل: هذا المثال ليس بمطابق لمسألة الصلاة، وإنما المطابق أن تقول: سلِّمْ على زيد، وعلى عمرو كما تسلِّم على المؤمنين، ونحو ذلك، وحينئذ فادعاء أن التشبيه لسلامه على عمرو وحده دون زيد دعوى باطلة.

وقالت طائفة أخرى: لا يلزم أن يكون المشبّه به أعلى من المشبّه، بل يجوز أن يكونا متماثلين، وأن يكون المشبّه أعلى من المشبّه به.

قال هؤلاء: والنبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من إبراهيم عليه الصلاة والسلام من وجوه غير الصلاة، وإن كانا متساويين في الصلاة، قالوا: والدليل على أن المشبّه قد يكون أفضل من المشبّه به قول الشاعر: [من الطويل]

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا … بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ

وهذا القول أيضاً ضعيف من وجوه:

(أحدها): أن هذا خلاف المعلوم من قاعدة تشبيه الشيء بالشيء، فإن العرب لا تشبِّهُ الشيء إلا بما هو فوقه.

(الثاني): أن الصلاة من الله تعالى من أجلّ المراتب وأعلاها، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق، فلابدّ أن تكون الصلاة الحاصلة له أفضل من كلّ صلاة تحصُل لكلّ مخلوق، فلا يكون غيره مساوياً له فيها.

(الثالث): أن الله سبحانه أمر فيها (١) بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلّون عليه، وأمر بالصلاة والسلام عليه، وأكّده بالتسليم، وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما في القرآن لغيره من المخلوقين.

(الرابع): أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله وملائكته يصلّون على معلّم الناس الخير" (٢) وهذا لأن بتعليمهم الخير قد أنقذوهم من شر الدنيا والآخرة، وتسببوا بذلك إلى فلاحهم وسعادتهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين الذين يصلي عليهم الله


(١) هكذا نسخة "جلاء الأفهام" "أمر فيها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر بالصلاة والسلام عليه إلخ". ولعل صواب العبارة: "أمر بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر بالسلام عليه وأكدَّه بالتسليم. فليُتَأَمَّل.
(٢) حديث حسن أخرجه الترمذيّ من حديث أبي أمامة، وله شاهد من حديث جابر -رضي الله عنه- عند الطبراني في "الأوسط" انظر "مجمع الزوائد" جـ ١ ص ١٢٤ - ١٢٥.