قال ابن القيم رحمه الله: ويدلّ على صحّة هذا أن سياق الأية يدلّ على أن المؤمنين به قسم غير أهله الذين هم أهله، لأنه قال سبحانه:{احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ}، فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل، وهم الأهل، والاثنان من كل زوجين.
واحتجّوا أيضاً بحديث واثلة بن الأسقع المتقدّم، قالوا: وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه جعل واثلة في حكم الأهل تشبيهاً بمن يستحقّ هذا الاسم.
فهذا ما احتجّ به أصحاب كلّ قول من هذه الأقوال.
والصحيح هو القول الأوّل، ويليه القول الثاني، وأما الثالث، والرابع، فضعيفان، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رفع الشبهة بقوله:"إنَّ الصدقة لا تحلّ لآل محمد"، وقوله:"إنما يأكل آل محمد من هذا المال"، وقوله:"اللَّهم اجعل رزق آل محمد قوتاً"، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمّة قطعاً، فأولى ما حُمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك.
وأما تنصيصه على الأزواج والذرّيّة، فلا يدلّ على اختصاص الآل بهم، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما روى أبو داود من حديث نعيم المجمر، عن أبى هريرة -رضي الله عنه- في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهم صلّ على محمد النبيّ الأميّ، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذرّيته، وأهل بيته، كما صلّيت على إبراهيم".
فجمع بين الأزواج والذرّيّة والأهل، وإنما نصّ عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحقّ مَنْ دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاصّ على العامّ، وعكسه، تنبيهاً على شرفه، وتخصيصاً له بالذكر من بين النوع، لأنه من أحقّ أفراد النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان:
(أحدهما): أن ذكر الخاصّ قبل العامّ، أو بعده قرينة تدلّ على أن المراد بالعامّ ما عداه.
(والطريق الثاني): أن الخاص ذُكر مرّتين، مرّة بخصوصه، ومرّة بشمول الاسمِ العامّ له، تنبيهاً على مزيد شرفه، وهذا كقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}[الأحزاب: ٧]، وقوله تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة: ٩٨].
وأيضاً فإن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه، وعلى آله عند الشافعيّ رحمه الله وغيره, كما سيأتي، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر