نعيم المجمر، وفي غير ما حديث:"اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد"، وفي هذا الحديث -يعني حديث أبي حُميد-: "اللَّهمّ صلّ على محمد وأزواجه وذرّيّته"، قالوا: فهذا تفسير ذلك الحديث، ويبيّن أن آل محمد هم أزواجه وذرّيّته، قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكلّ من كان من أزواج محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذرّيته صلى الله عليك إذا واجهه، وصلى الله عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم. قالوا: والآل والأهل سواء، وهم الأزواج، والذرّيّة بدليل هذا الحديث.
(والقول الثالث): أن آله -صلى الله عليه وسلم- أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البرّ عن بعض أهل العلم، وأقدم من رُوي عنه هذا القول جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، ذكره البيهقي عنه، ورواه عنه سفيان الثوريّ وغيره، وأختاره بعض أصحاب الشافعيّ، حكاه عنه أبو الطيّب الطبريّ في تعليقه، ورجّحه الشيخ محيي الدين النووي في "شرح مسلم"، واختاره الأزهري.
(والقول الرابع): أن آله -صلى الله عليه وسلم- هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين، والراغب، وجماعة.
[فصل]: في بيان حُجَج أصحاب هذه الأقوال:
احتجّ أصحاب القول الأوّل بحجج:
(أحدها): ما رواه البخاريّ في "صحيحه" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُؤتى بالنخل عند صِرَامه، فيجيء هذا بتمره، وهذا بتمره، حتى يصير عنده كُوْم من تمر، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة، فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخرجها من فيه، فقال:"أما علمت أنّ آل محمد لا يأكلون الصدقة". ورواه مسلم، وقال:"أَنَّا لا تحلّ لنا الصدقة".
(الثاني): ما رواه مسلم في "صحيحه" عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-، قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً خطيباً فينا بماء يُدعَى خُمَّا بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وذكّر، ووعظ، ثم قال:"أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عزّ وجلّ، وإني تارك فيكم ثَقَلَين، أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به"، فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه، وقال:"وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي"، فقال حصين بن سَبْرة: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إنّ نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده، قال: ومن هم؟، قال: هم آل عليّ، وآل عَقيل، وآل جعفر، وآلُ عباس، قال: أكلّ هؤلاء حرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم.