وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إنّ الصدقة لا تحلّ لآل محمد".
(الدليل الثالث): ما في "الصحيحين" من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها-: "أن فاطمة -رضي الله عنها- أرسلت إلى أبي بكر -رضي الله عنه- تسأله ميراثها من النبي -صلى الله عليه وسلم- مما آفاء الله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نورث، ما تركنا صدقةٌ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال". يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل.
فآله -صلى الله عليه وسلم- لهم خواصّ، منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليهم.
وقد ثبت أن تحريم الصدقة، واستحقاق خمس الخمس، وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه -صلى الله عليه وسلم-، فكذلك الصلاة على آله.
(الدليل الرابع): ما رواه مسلم من حديث ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي: أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث قال لعبد المطّلب بن ربيعة، وللفضل بن العبّاس -رضي الله عنهما-: ائتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقولا له: استعملنا يا رسول الله على الصدقات … -فذكر الحديث- وفيه: فقال لنا: "إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحلّ لمحمد، ولا لآل محمد".
(الدليل الخامس): ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد -فذكر الحديث- وقال فيه: فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبش، فأضجعه، ثمّ ذبحه، ثمّ قال: "بسم الله، اللَّهمّ تقبّل من محمد، وآل محمد، ومن أمّة محمد"، ثمّ ضحّى به.
هكذا رواه مسلم بتمامه، وحقيقة العطف المغايرة، وأمته -صلى الله عليه وسلم- أعمّ من آله.
قال أصحاب هذا القول: وتفسير الآل بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى من تفسيره بكلام غيره.
واحتجّ أصحاب القول الثاني القائلون بأنهم ذرّيّته وأزواجه خاصّةً بحديث أبي حُميد: "اللَّهمّ صلّ على محمد وأزواجه وذرّيّته"، وفي غيره من الأحاديث: "اللَّهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد"، وهذا غايته أن يكون الأوّل منهما قد فسّره اللفظ الآخر.
واحتجّوا أيضاً بما في "الصحيحين" من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهمّ اجعل زرق آل محمد قوتاً"، ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تَنَل كلّ بني هاشم، ولا بني المطّلب، لأنه كان فيهم الأغنياء، وأصحاب الْجِدَة، وإلى الآن، وأمّا أزواجه وذرّيّته -صلى الله عليه وسلم-، فكان رزقهم قوتاً، وما كان يحصل لأزواجه بعده من الأموال كُنّ يتصدّقن به، ويجعلن رزقهنّ قوتاً، وقد جاء عائشة -رضي الله عنها- مال عظيم،