ومنها: أن ظاهره يدل على عموم النهي في كل مصل، وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد؛ لأن المأموم لا يضره مَنْ مر بين يديه؛ لأن سترة إمامه سترة له، أو إمامه سترة له. اهـ. قال في الفتح: والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعَى، لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي، لا عن المار، فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك.
قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله في "الفتح" فيه نظر، بل ما ذكره بعض المالكية واضح، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك" إباحة للمرور وراء السترة، وقد قدمنا أن الراجح أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، ولو طالت الصفوف، فالسترة ترفع الحرج عن المصلي، والمار، فيختص منع المرور بالإمام والمنفرد، فقط. فتأمل، والله أعلم.
المسألة الخامسة: ذكر ابن دقيق العيد رحمه الله أن بعض الفقهاء قسم أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه إلى أربعة أقسام:
يأثم المار، دون المصلي، وعكسه، ويأثمان جميعاً، وعكسه.
فالصورة الأولى: أن يصلي إلى سترة في غير مشرع، وللمار مندوحة (١)، فيأثم المار دون المصلي.
(١) أي متسع، من النَّدْح، وهو ما اتسع من الأرض. اهـ. عدّة حاشية العمدة. جـ ٢ ص ٤٥٠.