للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

استقام عَلَى الإسلام إلى موته عصمه الإسلام منْ الخلود فِي النار، وإن دخلها بذنوبه، ومن استقام عَلَى الإحسان إلى الموت، وصل إلى الله عز وجل، قَالَ تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦]، وَقَدْ فسّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الزيادة بالنظر إلى وجه الله. خرّجه مسلم منْ حديث صهيب. انتهى كلام الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى فِي "شرح البخاريّ" ١/ ٢١١ - ٢١٥ وهو تحقيق مفيد جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أن تلد الأمة ربتها":

قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى فِي "الفتح": وَقَدْ اختلف العلماء قديما وحديثا، فِي معنى ذلك، قَالَ ابن التين: اختلف فيه عَلَى سبعة أوجه: فذكرها، لكنها متداخلة، وَقَدْ لخصتها بلا تداخل، فإذا هي أربعة أقوال:

[الأول]: قَالَ الخطّابيّ: معناه اتساع الإسلام، واستيلاء أهله عَلَى بلاد الشرك، وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية، واستولدها، كَانَ الولد منها بمنزلة ربها؛ لأنه ولد سيدها. قَالَ النوويّ، وغيره: إنه قول الأكثرين.

قَالَ الحافظ: لكن فِي كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كَانَ موجودا، حين المقالة، والاستيلاء عَلَى بلاد الشرك، وسبي ذراريهم، واتخاذهم سراريّ، وقع أكثره فِي صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع، مما سيقع قرب قيام الساعة، وَقَدْ فسره وكيع فِي رواية ابن ماجه، بأخص منْ الأول، قَالَ: أن تلد العجم العرب، ووجهه بعضهم بأن الإماء، يلدن الملوك، فتصير الأم منْ جملة الرعية، والملك سيد رعيته، وهذا لإبراهيم الحربي، وقَرَّبَهُ بان الرؤساء فِي الصدر الأول، كانوا يستنكفون غالبا منْ وطء الإماء، ويتنافسون فِي الحرائر، ثم انعكس الأمر، ولاسيما فِي أثناء دولة بني العبّاس، ولكن رواية: "ربتها" بتاء التأنيث، قد لا تساعد عَلَى ذلك، ووجهه بعضهم بأن إطلاق ربتها عَلَى ولدها مجاز؛ لأنه لما كَانَ سببا فِي عتقها بموت أبيه، أطلق عليه ذلك، وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر، فقد يُسبَى الولد أولا، وهو صغير، ثم يُعتَق، ويكبر، ويصير رئيسا، بل ملكا، ثم تُسبى أمه فيما بعدُ، فيشريها عارفا بها، أو وهو لا يشعر أنها أمه، فيستخدمها، أو يتخذها موطوءة، أو يُعتقها ويتزوجها، وَقَدْ جاء فِي بعض الروايات: "أن تلد الأمة بَعْلها"، وهي عند مسلم، فتُحمل عَلَى هذه الصورة، وقيل: المراد بالبعل المالك، وهو أولى؛ لتتفق الروايات.

[الثاني]: أن تبيع السادة أمهات أولادهم، ويكثر ذلك، فيتداول الملاك المستولدة، حَتَّى يشتريها ولدها، ولا يشعر بذلك، وعلى هَذَا فالذي يكون منْ الأشراط غلبة الجهل