للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)} [النور: ٣٥]. قَالَ أبيّ بن كعب وغيره منْ السلف: مثل نوره فِي قلب المؤمن. فمن وصل إلى هَذَا المقام فقد وصل إلى نهاية الإحسان، وصار الإيمان لقلبه بمنزلة العيان، فعرف ربه، وأَنِس به فِي خلوته، وتنعم بذكره، ومناجاته، ودعائه، حَتَّى ربما استوحش منْ خلقه، كما قَالَ بعضهم: عجبت للخليقة كيف أَنَسَتْ بسواك؟ بل عجبتُ للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك. وقيل لآخر: أما تستوحش؟ قَالَ: كيف أستوحش، وهو يقول: أنا جليس منْ ذكرني؟. وقيل لآخر: أما تستوحش وحدك؟ قَالَ: ويستوحش مع الله أحد؟. وكان حبيب أبو محمد يخلو فِي بيته، ويقول: منْ لم تقرّ عينه بك، فلا قرّت عينه، ومن لم يأنس بك، فلا أَنِس. وَقَالَ الفضيل: طوبى لمن استوحش منْ النَّاس، وكان الله جليسه. وَقَالَ معروف لرجل: توكّل عَلَى الله حَتَّى يكون جليسك، وأنيسك، وموضع شكواك. وَقَالَ ذو النون: علامة المحبّين لله أن لا يأنسوا بسواه، ولا يستوحشوا معه، ثم قَالَ: إذا سكن القلبَ حبُّ الله أنس بالله؛ لأن الله أجلّ فِي صدور العارفين أن يُحبّوا غيره.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اعبد الله كأنك تراه" إشارةٌ إلى أن العابد يتخيّل ذلك فِي عبادته، لا أنه يراه حقيقة ببصره، ولا بقلبه.

وأما منْ زعم أن القلوب تصل فِي الدنيا إلى رؤية الله عيانًا، كما تراه الأبصار فِي الآخرة، كما يزعم ذلك منْ يزعمه منْ الصوفيّة، فهو زعم باطل، فإن هَذَا المقام هو الذي قَالَ منْ قَالَ منْ الصحابة، كأبي ذرّ، وابن عباس، وغيرهما، ورُوي عن عائشة أيضًا أنه حصل للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- مرّتين. وروي فِي ذلك أحاديث مرفوعة أيضًا. وكذا قَالَ جماعة منْ التابعين: إنه رآه بقلبه، منهم الحسن، وأبو العالية، ومجاهد، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وإبراهيم التيميّ، فلو كَانَ هؤلاء لا يعتقدون أن رؤية القلب مشتركة بين الأنبياء وغيرهم، لم يكن فِي تخصيص النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك مزيّة له، ولاسيما، وإنما قالوا: إنها حصلت له مرّتين، فإن هؤلاء الصوفيّة يزعمون أن رؤية القلب تصير حالاً، ومقامًا دائمًا، أو غالبًا لهم، ومن هنا ينشأ تفضيل الاْولياء عَلَى الأنبياء، ويتفرّع عَلَى ذلك أنواع منْ الضلالات، والمحالات، والجهالات، والله يهدي منْ يشاء إلى صراط مستقيم.

فهذه المقامات الثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان يشملها اسم الدين، فمن