مسألة، لا يسألون عنها، أن يسأل هو عنها؛ ليحصل الجواب للجميع. (ومنها): أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل، ويُدنيه منه؛ ليتمكّن منْ سؤاله، غير هائب، ولا منقبض، وأنه ينبغي للسائل أن يرفق فِي سؤاله.
(ومنها): أنه ينبغي للعالم إذا سئل عما لا يعلم، أن يصرح بأنه لا يعلمه، ولا يكون فِي ذلك نقص منْ مرتبته، بل يكون ذلك دليلا عَلَى مزيد ورعه. قاله النوويّ رحمه الله تعالى.
(ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: مقصود هَذَا السؤال كَفُّ السامعين عن السؤال، عن وقت الساعة؛ لأنهم قد أكثروا السؤال عنها، كما ورد فِي كثير منْ الآيات، والأحاديث، فلما حصل الجواب بما ذُكر هنا، حصل اليأس منْ معرفتها، بخلاف الأسئلة الماضية، فإن المراد بها استخراج الأجوبة، ليتعلمها السامعون، ويعملوا بها، ونبه بهذه الأسئلة عَلَى تفصيل ما يمكن معرفته، مما لا يمكن.
(ومنها): ما قاله ابن المُنَيِّر رحمه الله تعالى: فِي قوله: "يعلمكم دينكم"، دلالة عَلَى أن السؤال الحسن، يُسَمَّى علمًا، وتعليمًا؛ لأن جبريل -عليه السلام- لم يصدر منه سوى السؤال، ومع ذلك فقد سماه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- معلما، وَقَدْ اشتهر قولهم: حُسنُ السؤال نصف العلم"، ويمكن أن يؤخذ منْ هَذَا الْحَدِيث؛ لأن الفائدة فيه انبنت عَلَى السؤال والجواب معا.
(ومنها): ما قاله القرِطبي رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث يصلح، أن يقال له: أم السنة؛ لما تضمنه منْ جُمَل علم السنة، كما سُمّيت الفاتحة أم الكتاب؛ لِمَا تضمّنته منْ جمُل معاني القرآن. وَقَالَ الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي، كتابيه "المصابيح"، و"شرح السنة"؛ اقتداء بالقرآن فِي افتتاحه بالفاتحة؛ لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالا.
وَقَالَ القاضي عياض قد اشتمل هَذَا الْحَدِيث، عَلَى جميع وظائف العبادات، الظاهرة والباطنة، منْ عقود الإيمان، ابتداء، وحالا، ومآلا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ منْ آفات الأعمال، حَتَّى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه. قَالَ: وعلى هَذَا الْحَدِيث، وأقسامه الثلاثة، ألّفنا كتابنا الذي سمّيناه بـ"المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان"، إذ لا يشذّ شيء منْ الواجبات، والسنن، والرغائب، والمحظورات، والمكروهات عن أقسامه الثلاثة. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي إتمام البحث المتعلّق بتفسير الإحسان:
قَالَ فِي "الفتح": دل سياق الْحَدِيث، عَلَى أن رؤية الله فِي الدنيا بالأبصار غير