قَالَ: والأَوْلَى أن يُحمَل عَلَى أنهم سُود الألوان؛ لأن الأُدْمة غالبة عَلَى ألوانهم. انتهى كلام القرطبيّ.
وأجاب الحافظ عن قول القرطبيّ: فيه نظر الخ بأنه يُحمل عَلَى أنها إضافة اختصاص، لا ملك، وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة، وأما المالك، فقَلَ أن يباشر الرعي بنفسه. انتهى.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم:"وإذا رأيت الحفاة العراة الصمّ البكم ملوك الأرض".
وقيل لهم: ذلك مبالغةً فِي وصفهم بالجهل: أي لم يستعملوا أسماعهم، ولا أبصارهم فِي شيء منْ أمر دينهم، وإن كانت حواسهم سليمة.
والمراد بهؤلاء: هم أهل البادية، كما صرح به فِي رواية سليمان التيمي وغيره، قَالَ:"ما الحفاة العراة؟ "، قَالَ:"الْعُرَيب"، وهو بالعين المهملة عَلَى التصغير، وفي الطبراني منْ طريق أبي جمرة، عن ابن عباس، مرفوعا:"منْ انقلاب الدين تَفَصُّح النَّبَط، واتخاذهم القصور فِي الأمصار".
وَقَالَ القرطبيّ: وَقَدْ وصفهم فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بأنهم صمّ بُكم، عُميٌ، ويعني بذلك -والله تعالى أعلم- أنهم جَهَلةٌ رعاع، لم يستعملوا أسماعهم، ولا كلامهم فِي علم، ولا فِي شيء منْ أمر دينهم، وهذا نحو قوله تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[البقرة: ١٧١] أطلق ذلك عليهم، مع أنهم كانت لهم أسماع، وأبصارٌ، ولكنهم لَمّا لم تحصُل لهم ثمرات تلك الإدراكات، صاروا كأنهم عَدِموا أصلها، وَقَدْ أوضح هَذَا المعنى قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)} [الأعراف: ١٧٩].
قَالَ: ومقصود هَذَا الْحَدِيث: الإخبارُ عن تبدل الحال، وتغيّره، بأن يستولي أهل البادية الذين هذه صفاتهم عَلَى أهل الحاضرة، ويتملكوا بالقهر والغلبة، فتكثر أموالهم، وتتسع فِي حُطام الدنيا آمالهم، فتنصرف هممهم إلى تشييد المباني، وهدم الدين، وشريف المعاني، وأن ذلك إذا وُجد، كَانَ منْ أشراط الساعة، ويؤيد هَذَا ما ذُكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ:"لا تقوم الساعة، حَتَّى يكون أسعد النَّاس بالدنيا لُكَع ابن لُكَع"، ومنه الْحَدِيث الآخر، ومنه:"إذا وُسِّد الأمر": أي أُسند- "إلى غير أهله، فانتظروا الساعة"، وكلاهما فِي الصحيح، وَقَدْ شُوهد هَذَا كله عيانًا فِي هَذَا الزمان، فكان ذلك عَلَى صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى قرب الساعة، حجةً، وبرهانًا. انتهى