(يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ) أي يتفاخرون فِي تطويل البيان، ويتكاثرون به.
(قَالَ عُمَرُ) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فَلَبِثْتُ) بكسر الباء الموحّدة: أي مكثتُ، يقال: لبِث بالمكان لَبَثًا، منْ باب تعب، وجاء فِي المصدر السكون للتخفيف، واللَّبْثة بالفتح: المرّة، وبالكسر: الهيئة، والنوع، والاسم: اللُّبْث بالضمّ، واللَّبَاث. قاله فِي "المصباح"(ثَلَاثًا) أي ثلاث ليال، وفي رواية مسلم:"فلبثت مليًا"، قَالَ النوويّ: معنى: "مليّا" بتشديد الياء: وقتًا طويلاً، وفي رواية أبي داود، والترمذيّ أنه قَالَ ذلك بعد ثلاث، وفي "شرح السنّة" للبغوي: "بعد ثالثة"، وظاهر هَذَا أنه بعد ثلاث ليال، وفي ظاهر هَذَا مخالفة لقوله فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بعد هَذَا:"ثم أدبر الرجل، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رُدُّوا عليّ الرجلَ، فأخذوا ليردّوه، فلم يروا شيئًا، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: هَذَا جبريل … الْحَدِيث.
فيحتمل الجمع بينهما أن عمر -رضي الله عنه- لم يحضر قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لهم فِي الحال، بل كَانَ قد قام منْ المجلس، فأخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الحاضرين فِي الحال، وأخبر عمر -رضي الله عنه- بعد ثلاث، إذ لم يكن حاضرًا وقت إخبار الباقين. والله تعالى أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١/ ١٦٠.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الجمع هو الأحسن، وسيأتي وجه آخر فِي الجمع فِي عبارة "الفتح" قريبًا، إن شاء الله تعالى.
(ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا عُمَرُ، هَلْ تَدْرِي) أي تعلم (مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ) أي قواعد دينكم، أو كليّات دينكم. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "هَذَا جبريل جاء يعلّم النَّاس دينكم".
وللإسماعيلي: "أراد أن تعلموا، إذ لم تسألوا"، وفي الرواية الآتية فِي الباب التالي: "والذي بعث محمدا بالحق، ما كنت بأعلم به منْ رجل منكم، وإنه لجبريل"، وفي حديث أبي عامر: "ثم وَلَّى، فلما لم نر طريقه، قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: سبحان الله، هَذَا جبريل، جاء ليعلم النَّاس دينهم، والذي نفس محمد بيده، ما جاءني قط، إلا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة"، وفي رواية سليمان التيمي: "ثم نَهَض، فوَلَّى، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علي بالرجل، فطلبناه كل مطلب، فلم نقدر عليه، فَقَالَ: هل تدرون منْ هَذَا؟ هَذَا جبريل، أتاكم ليعلمكم دينكم، خذوا عنه، فوالذي نفسي بيده، ما شُبِّه عليّ منذ أتاني،