للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا) "ما" نافيةٌ، وزاد فِي حديث أبي هريرة، وأبي ذرّ رضي الله عنهما الآتي: "قَالَ: فنكّس، فلم يُجبه شيئًا، ثم أعاد، فلم يُجبه شيئًا، ثم أعاد، فلم يجبه شيئًا، ورفع رأسه، فَقَالَ: ما المسؤول … " (بِأَعْلَمَ بِهَا) الباء زائدة لتأكيد النفي، وهذا وإن كَانَ مشعرا بالتساوي فِي العلم، لكن المراد التساوي فِي العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها؛ لقوله بعدُ: "فِي خمس لا يعلمها إلا الله"، وسيأتي نظير هَذَا التركيب فِي أواخر الكلام عَلَى الْحَدِيث الآتي فِي الباب التالي، إن شاء الله تعالى، فِي قوله: "ما كنت بأعلم به منْ رجل منكم"، فإن المراد أيضًا التساوي فِي عدم العلم به، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فَقَالَ: "سبحان الله، خمس منْ الغيب، لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا الآية".

(مِنَ السَّائِلِ) إنما عدل عن قوله: لست بأعلم بها منك، إلى لفظٍ يُشعر بالتعميم؛ تعريضا للسامعين: اْي أن كل مسئول، وكل سائل، فهو كذلك.

[فائدة]: هَذَا السؤال والجواب، وقع بين عيسى ابن مريم وجبريل عليهم الصلاة والسلام، لكن كَانَ عيسى سائلا، وجبريل مسؤولا، قَالَ الحميدي، فِي "نوادره": حدثنا سفيان، حدثنا مالك بن مِغْول، عن إسماعيل بن رجاء، عن الشعبي، قَالَ: "سأل عيسى ابن مريم جبريل، عن الساعة؟ قَالَ: فانتفض بأجنحته، وَقَالَ: ما المسئول عنها بأعلم منْ السائل". ذكره فِي "الفتح" ١/ ١٦٦.

(قَالَ) السائل (فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا) هكذا فِي حديث عمر -رضي الله عنه- أن السائل قَالَ له -صلى الله عليه وسلم-: "فأخبرني عن أماراتها"، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ فِي "الإيمان": "وسأخبرك عن أشراطها"، وفي "التفسير": "ولكن سأحدثك"، وفي الرواية الآتية فِي الباب التالي: "ولكن لها علامات، تعرف بها".

ويجمع بين هذه الاختلافات بأنه -صلى الله عليه وسلم- ابتدأ بقوله: "وسأخبرك"، فَقَالَ له السائل: "فأخبرني"، ويدل عَلَى ذلك رواية سليمان التيمي، ولفظها: "ولكن إن شئت، نبأتك عن أشراطها، قَالَ: أجل"، ونحوه فِي حديث ابن عباس، وزاد: "فحدثني".

ويُستفاد منْ اختلاف الروايات: أن التحديث، والإخبار، والإنباء، بمعنى واحد، وإنما غاير بينها أهل الْحَدِيث اصطلاحا.

و"الأمارات": جمع أمارة بالفتِح، كالعلامة وزنًا ومعنًى. و"الأشراط" -بفتح الهمزة- جمع شَرَط -بفتحتين- كقَلَم وأقْلام: هي الأمارات، والعلامات، ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: ١٨]، وبها سُمّي الشُّرَط؛ لأنهم يُعلّمون أنفسهم بعلامات يُعرفون بها.